الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة

[أذن فخر الملك لأهل الكرخ في عمل عاشوراء ]

فمن الحوادث فيها :

أن فخر الملك أذن لأهل الكرخ وباب الطاق في عمل عاشوراء ، فعلقوا المسوح ، وأقاموا النياحة في المشاهد .

وفى ربيع الآخر أمر القادر بالله بعمارة مسجد الكف بقطيعة الدقيق وإعادة أبنيته ، ففعل ذلك وعمل لموضع الكف ملبن من صندل وضبب بفضة ، وعمل بين يديه درابزينات .

[كتب في ديوان الخلافة محاضر في معنى الذين بمصر ]

وفي هذا الشهر كتب في ديوان الخلافة محاضر في معنى الذين بمصر والقدح في أنسابهم ومذاهبهم ، وكانت نسخة ما قرئ منها ببغداد وأخذت فيه خطوط الأشراف والقضاة والفقهاء والصالحين والمعدلين والثقات والأماثل بما عندهم من العلم والمعرفة بنسب الديصانية ، وهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي أحزاب الكافرين ونطف الشياطين شهادة متقرب إلى الله جلت عظمته ، وممتعض للدين والإسلام ومعتقد إظهار ما أوجب الله تعالى على العلماء أن يبينوه للناس ولا يكتمونه [شهدوا جميعا أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار المتلقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والدمار والخزي والنكال والاستيصال ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله ، فإنه لما صار إلى الغرب تسمى بعبد الله وتلقب بالمهدي ومن تقدمه من سلفه الأرجاس [ ص: 83 ] الأنجاس ، عليه وعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين ، أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ولا يتعلقون منه بسبب ، وأنه منزه عن باطلهم ، وأن الذي ادعوه من الانتساب إليه باطل وزور وأنهم لا يعلمون أن أحدا من أهل بيوتات الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم ودعواهم شائعا بالحرمين ، وفى أول أمرهم بالغرب منتشرا انتشارا يمنع من أن يتدلس على أحد كذبهم أو يذهب وهم إلى تصديقهم ، وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون ، وللإسلام جاحدون ، ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون ، قد عطلوا الحدود ، وأباحوا الفروج ، وأحلوا الخمور ، وسفكوا الدماء ، وسبوا الأنبياء ، ولعنوا السلف وادعوا الربوبية ، وكتب في ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعمائة .

وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير من العلويين : المرتضى ، والرضى وابن الأزرق الموسوي ، وأبو طاهر بن أبي الطيب ، ومحمد بن محمد بن عمر ، وابن أبي يعلى ، ومن القضاة : أبو محمد ابن الأكفاني ، وأبو القاسم الخرزي ، وأبو العباس السوري ، ومن الفقهاء : أبو حامد الإسفرائيني ، وأبو محمد الكشفلي ، وأبو الحسين القدوري ، وأبو عبد الله الصيمري ، وأبو عبد الله البيضاوي ، وأبو علي بن حمكان ، ومن الشهداء : أبو القاسم التنوخي . وقرئ بالبصرة وكتب فيه خلق كثير .

وفي رجب وشعبان ورمضان : واصل فخر الملك الصدقات والحمول إلى المشاهد بمقابر قريش والحائر والكوفة ، وفرق الثياب والتمور والنفقات في العيد على الضعفاء ، وركب إلى الصلاة في الجوامع ، وأعطى الخطباء والعوام والمؤذنين الثياب والدنانير ، وتقدم ليلة الفطر يتأمل من في حبوس القضاة ، فمن كان محبوسا على دينار وعشرة قضى وما كان أكثر من ذلك كفل وأخرج ليعود بعد التعييد ، وأوعز بتمييز من [ ص: 84 ] في حبس المعونة ، وإطلاق من صغرت جنايته ووقعت توبته ، فكثر الدعاء له في المساجد والأسواق .

وفي رمضان : تقدم فخر الملك بنقض الدار المعزية بحصيرة شارع دار الدقيق ، واستيثاق عمارتها ، وتغيير أبنيتها ، وعمل دور الحواشي جوارها ، فأنفق عليها الجملة الكثيرة ، وحملت إليها الآلات من كل بلد ، وجعل فيها المجالس الواسعة والحجر الكثيرة والأبنية الرائقة ، واستعملت لها الفروش بفارس والأهواز على مقادير بيوتها ومجالسها ، وعمل على الانتقال إليها [وسكناها ] ثم استبعد موضعها ورآه نائيا عن الكرخ ، فجعلها متنزها في الخلوات ومرسومة بالسمط والدعوات .

وفي ليلة الأربعاء خامس شوال : عصفت ريح سوداء فرمت من النخل أكثر من عشرة آلاف رأس .

وورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين إلى الخليفة بأنه غزا قوما من الكفار ، فقطع إليهم مفازة من رمل وأصابه وأصحابه العطش كادوا يهلكون منه ، ثم تفضل الله سبحانه عليهم بسحابة أظلتهم ومطرت وشربوا وسقوا ووصلوا إلى القوم وهو خلق عظيم ومعهم ستمائة فيل ، فظفر بهم وأخذ غنائمهم وعاد .

وكان أبو الحسين عبد الله بن دنجا عاملا على البصرة ، وكان ملقبا بذي الرتبتين ، وكان بينه وبين أبي سعد بن ماكولا وحشة ، فمرض أبو سعد مرضا صعبا فأنفذ أبو الحسين فوكل بداره ، ثم اعتل أبو الحسين ومات وتماثل أبو سعد فأنفذ إلى داره بأولئك الموكلين حتى احتاطوا على ماله وقبضوا على أصحابه .

وفي ذي الحجة : ورد كتاب أبي الحارث محمد بن محمد بن عمر بأن ريحا [ ص: 85 ] سوداء هاجت عند حصول الحاج بزبالا ، وفقدوا الماء فهلك منهم خلق كثير ، وبلغت المزادة من الماء مائة درهم ، وتخفر جماعة ببني خفاجة ورجعوا إلى الكوفة وعمل الغدير والغار على سكون وطمأنينة ، وأظهرت الفتيان من التعليق شيئا كثيرا واستعان أهل السنة بالأتراك فأعاروهم الثياب والفروش الحسان والمصاغ والأسلحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية