مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : " ولا خير في مد عجوة ودرهم بمد عجوة حتى يكون التمر بالتمر مثلا بمثل " .  
قال  الماوردي      : وجملته أن  كل جنس ثبت فيه الربا فلا يجوز أن يباع بشيء من جنسه إذا ضم إليه عوض من غير جنسه      . فعلى هذا لا يجوز أن يباع مد تمر ودرهم بمدي تمر ولا بدرهمين ، ولا يجوز أن يباع دينار وثوب بدينارين ولا درهم وسيف بدرهمين .  
وقال  أبو حنيفة   بجوازه ، فأباح بيع مد تمر ودرهم بمدين ، وجعل مدا بمد ودرهما بمد ، وأجاز بيع سيف محلى بذهب بالذهب إذا كان الثمن أكثر ذهبا من الحلية ، ليكون الفاضل منه ثمنا للسيف ويجعل الذهب بالذهب مثلا بمثل .  
فاستدل على ذلك بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة كان أولى من حمله على الفساد . وقد روي  عن  عمر      - رضي الله عنه - أنه قال : إذا وجدتم لمسلم مخرجا فأخرجوه     . فلما كان متبايعا المد والدرهم بالمدين لو شرطا في العقد أن يكون مد بمد ، ودرهم بمد صح العقد ، وجب أن يحمل عليه أيضا مع عدم الشرط ، ليكون العقد محمولا على وجه الصحة دون الفساد .  
قال : ولأن  المماثلة فيما يدخله الربا   معتبرة بالكيل إن كان مكيلا أو بالوزن إن كان موزونا .  
فأما القيمة فلا اعتبار بها في المماثلة ، لا في المكيل ، ولا في الموزون ، ألا تراه لو باع كرا من حنطة يساوي عشرة دنانير بكر من حنطة يساوي عشرين دينارا صح العقد : لوجود التماثل في الكيل ، وإن حصل التفاضل في القيمة ، وإذا بطل اعتبار القيمة في المماثلة صار العقد مقسطا على الأجزاء دون القيم ، فيصير مد بإزاء مد ودرهم بإزاء مد .  
 [ ص: 114 ] والدلالة عليه حديث  فضالة بن عبيد   قال :  أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام  خيبر   بقلادة فيها خرز وذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا حتى تميز بينهما " . فقال الرجل : إنما أردت الحجارة . فقال : " لا حتى تميز بينهما     " .  
فإن قيل : فيجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - رده : لأن ذهب القلادة أكثر من ذهب الثمن قلنا : لا يصح ذلك من وجهين :  
أحدهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق الجواب من غير سؤال فدل على استواء الحالين .  
والثاني : أن قول المشتري إنما أردت الخرز دليل على أن الذهب يسير دخل على وجه التبع .  
وروي أن  معاوية   ابتاع سيفا محلى بالذهب بذهب ، فقال  أبو الدرداء      : لا يصلح هذا :  فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه . فقال : الذهب بالذهب مثلا بمثل . فقال  معاوية      : ما أرى بذلك بأسا . فقال  أبو الدرداء      : أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحدثني عن رأيك ، والله لا أساكنك أبدا     .  
فدل هذان الحديثان على صحة ما ذكرنا .  
ثم الدليل عليه من طريق المعنى هو أن العقد الواحد إذا جمع شيئين مختلفي القيمة ، كان الثمن مقسطا على قيمتهما لا على أعدادهما ، يوضح ذلك أصلان :  
أحدهما : أن من  اشترى شقصا من دار وعبدا بألف ، فاستحق الشقص بالشفعة   كان مأخوذا بحصته من الثمن اعتبارا بقيمته وقيمة العبد ، ولا يكون مأخوذا بنصف الثمن .  
والثاني : أن من  اشترى عبدا وثوبا بألف ، ثم استحق الثوب أو تلف   ، كان العبد مأخوذا بحصته من الألف ولا يكون مأخوذا بنصف الألف .  
وإذا كانت الأصول توجب تقسيط الثمن على القيمة اقتضى أن يكون العقد هاهنا فاسدا : لأنه يتردد بين أمرين :  
أحدهما : العلم بالتفاضل .  
والثاني : الجهل بالتماثل : لأنه يجوز أن تكون قيمة المد الذي مع الدرهم أقل من درهم ، أو أكثر من درهم ، أو يكون درهما لا أقل ولا أكثر .  
فإن كان أقل أو أكثر كان التفاضل معلوما ، وإن كان درهما كان التماثل مجهولا ، والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل فلم يخل العقد في كلا الأمرين من الفساد .  
 [ ص: 115 ] فإن قيل : الثمن لا يتقسط على القيمة في حال العقد ، وإنما يتقسط على القيمة بالاستحقاق فيما بعد : لأن الثمن لا يصح أن يكون مجهولا حال العقد وتقسيطه على القيمة به يفضي إلى الجهالة .  
قلنا : هذا القول فاسد : لأن الثمن لا بد أن يكون مقسطا : إما على القيمة وإما على العدد ، فلما بطل أن يكون مقسطا على العدد : لأنه لا يستحق به ، ثبت أنه مقسط على القيمة ، وليس الجهل بالتفصيل مع العلم بالجملة مانعا من الصحة .  
فأما استدلالهم بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة لم يجز حمله على الفساد . فينتقض بمن باع سلعة إلى أجل ثم اشتراها نقدا بأقل من الثمن الأول ، فإنه لا يجوز عندهم ، مع إمكان حمله على الصحة ، وهما عقدان يجوز كل واحد منهما على الانفراد ، وجعلوا العقد الواحد هاهنا عقدين ليحملوه على الصحة فكان هذا إفسادا لقولهم ، ولو كان هذا أصلا معتبرا لكان بيع مد تمر بمدين جائزا : ليكون تمر كل واحد منهما بنوى الآخر ، حملا للعقد على وجه يصح فيه ولا يفسد .  
أو يكون مد بمد والآخر محمولا على الهبة دون البيع ، فلما لم يجز اعتبار هذا في العقد وجب اعتبار إطلاقه في العرف المقصود منه كذلك في مسألتنا .  
وأما استدلالهم بأن المماثلة معتبرة بالقدر دون القيمة ، فالجواب عنه أن القيمة غير معتبرة وإنما تماثل القدر معتبر ، غير أن بالقيمة في الأجناس المختلفة يعلم تماثل القدر أو تفاضله . والله أعلم .  
فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا  وباع الرجل مدا من تمر ودرهما بمدين من تمر   كان باطلا ، إلا أن يفصل فيقول : قد بعتك مدا بمد ودرهما بمد فيصح : لأن التفصيل يجعلهما عقدين ويمنع من تقسيط الثمن على القيمتين ، وكذا لو باعه مدا ودرهما بدرهمين كان باطلا إلا مع التفصيل .  
وكذا لو باعه مدا من بر ومدا من شعير بمدين من بر أو شعير كان باطلا إلا مع التفصيل ، ولكن لو باعه مدا من بر ومدا من شعير بمدين من تمر كان جائزا إذا تقابضا قبل التفرق : لأنها أجناس مختلفة يجوز التفاضل فيها ، وإنما يمنع من التفرق قبل تقابضهما لأن علة الربا في جميعها واحدة .  
ولو باعه ثوبا ودينارا بثوبين كان جائزا ، وإن تفرقا قبل القبض : لأن ما لا ربا فيه لا يمنع من التفرق فيه قبل قبضه .  
وكذا لو باعه ثوبا ودينارا بكر من بر صح وجاز التفرق فيه قبل قبضه : لأن الدنانير والبر وإن كان فيهما الربا فلعلتين مختلفتين .  
 [ ص: 116 ] فأما إذا باعه دينارا وثوبا بمائة درهم كان في العقد قولان : لأنه عقد جمع بيعا وصرفا : لأن ما قبل الدينار من الدراهم صرف ، وما قابل الثوب بيع .  
وكذا لو باعه ثوبا وقفيزا من شعير بقفيزين من حنطة كان أيضا على قولين : لأنه بيع وصرف : لأن ما قابل الثوب من الحنطة بيع ، وما قابل الشعير كالصرف لاستحقاق القبض قبل التفرق .  
				
						
						
