الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وحرام التدليس ولا ينتقض به البيع ( قال أبو عبد الله محمد بن عاصم ) سمعت المزني يقول : هذا غلط عندي ، فلو كان الثمن محرما بالتدليس كان البيع بالثمن المحرم منتقضا ، وإذا قال : لا ينتقض به البيع فقد ثبت تحليل الثمن غير أنه بالتدليس مأثوم فتفهم . فلو كان الثمن محرما وبه وقعت العقدة كان البيع فاسدا ، أرأيت لو اشتراها بجارية فدلس المشتري بالثمن كما دلس البائع بما باع ، فهذا إذا حرام بحرام يبطل به البيع فليس كذلك إنما حرم عليه التدليس ، والبيع في نفسه جائز ، ولو كان من أحدهما سبب يحرم فليس السبب هو البيع ، ولو كان هو السبب حرم البيع وفسد الشراء فتفهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإنما كان التدليس حراما : لرواية الشافعي ، عن سفيان ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : مر برجل يبيع طعاما ، فأدخل يده فيه فإذا هو طعام مبلول ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من غشنا " وقال صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ : " لا خلابة في الإسلام " أي لا خديعة .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا شوب ولا روب " ، أي لا غش ولا تغليط ، فإن دلس في بيعه كان البيع صحيحا لا يبطل بتدليسه . وقال داود بن علي : البيع باطل بالتدليس . وهذا [ ص: 270 ] خطأ : لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن التصرية " ، وجعلها تدليسا ثم قال : من ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا ولو كان البيع باطلا بالتدليس لرد ولم يخير ، ولأن النهي إذا توجه إلى المعقود عليه كان مبطلا للعقد كالنهي عن بيع الملامسة والمنابذة ، وإذا كان لمعنى في المتعاقدين لم يكن النهي مبطلا للعقد ، كالنهي أن يبيع الرجل على بيع أخيه ، والنهي عن التدليس بمعنى في العاقد دون المعقود فلم يكن النهي مبطلا له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية