الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو لم يذكرا في السلم أجلا ، فذكراه قبل أن يتفرقا جاز ، ولو أوجباه بعد التفرق لم يجز " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو حال متعاقدي السلم من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعقداه مؤجلا .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعقداه حالا .

                                                                                                                                            والثالث : أن يعقداه مطلقا . فإن عقداه حالا كان على حلوله . وإن عقداه مطلقا لم يخل حال المسلم فيه من أن يكون موجودا في الحال أو معدوما ، فإن كان معدوما بطل السلم ؟ لأن الحلول لا يصح فيه والأجل لا يتقدر بإطلاقه ، وإن كان موجودا ففي عقد السلم وجهان مبنيان على اختلاف وجهي أصحابنا في السلم هل هو الأصل فيه الحلول أو التأجيل ؟

                                                                                                                                            أحدهما : أن السلم باطل إذا قيل الأصل فيه التأجيل : لأن إطلاقه يوجب رده إلى أصله ، ورده إلى الأصل في الأجل إذا لم يتقدر بالشرط باطل .

                                                                                                                                            والثاني : أن السلم جائز ويكون حالا إذا قيل الأصل فيه الحلول : لأن إطلاقه يقتضيه .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من الحلول والتأجيل فيه بعقد ثبت فيه خيار المجلس ، ولا يثبت فيه خيار الشرط ، وقد عللنا ذلك في باب الخيار فيما لم يفترقا ، والعقد غير منبرم فإذا [ ص: 403 ] افترقا عليه فقد لزم ، فعلى هذا لو عقداه حالا ثم أجلاه قبل افتراقهما ثبت مؤجلا على ما افترقا عليه ، كذا لو زادا في الأجل أو نقصا منه أو زادا في الثمن أو نقصا منه ، ثبت العقد على ما افترقا عليه من زيادة ونقصان ، فأما إذا عقداه على صفة وافترقا عليها ثم أجلا ما كان معجلا أو عجلا ما كان مؤجلا أو زادا في الأجل أو نقصا عنه ، لم يلزم ما أخذاه بعد الافتراق ، وكان العقد لازما على ما افترقا عليه : لأن العقد لا يلحقه التغيير بعد التفرق .

                                                                                                                                            وخالف أبو حنيفة فيه ، وقد مضى الكلام معه ، فعلى هذا لو عقداه حالا وافترقا ثم جعلاه مؤجلا ، لم يلزم فيه الأجل ويستحب للمسلم أن لو وفى بالوعد ، وصبر به إلى الأجل ، وكذا لو عقداه مؤجلا ثم جعلاه حالا بعد التفرق لم يلزم فيه الحلول ، ويستحب للمسلم إليه أن لو وفى بالوعد ، وعجل ذلك قبل الأجل ، ولو اختلفا بعد التفرق في الحلول والتأجيل ، ولو اختلفا فيه قبل التفرق فلا عقد بينهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية