الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولا يبتاع الذي يشتري العرية بالتمر إلا بأن يخرص العرية كما يخرص العشر ، فيقال فيها الآن رطبا كذا ، وإذا يبس كان كذا ، فيدفع من التمر مكيلة خرصها تمرا ، ويقبض النخلة بتمرها قبل أن يتفرقا ، فإن تفرقا قبل دفعه فسد البيع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن جواز البيع في العرية معتبر بثلاثة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : القدر الذي لا تجوز الزيادة عليه .

                                                                                                                                            والثاني : التساوي الذي لا يجوز الإخلال به .

                                                                                                                                            والثالث : التقابض الذي لا يجوز الافتراق دونه .

                                                                                                                                            فأما الشرط الأول : وهو القدر فقد مضى الكلام فيه .

                                                                                                                                            وأما الشرط الثاني : وهو التساوي ، فلتحريم التفاضل فيما يدخله الربا ، والتساوي معتبر في التمر بالكيل : لأن الكيل فيه ممكن وفي الرطب الذي على رءوس النخل بالخرص : لأن كيله متعذر ، ويجوز فيه خارص واحد بخلاف الزكاة : لأن الخرص هاهنا بدل من الكيل عند تعذره ، فلما جاز كيال واحد جاز خارص واحد ، فيأتي الخارص النخلة فيخرصها بعد الإحاطة بها ، فإذا بلغت قدرا يكون ثمرها خمسة أوسق ، أو أقل من خمسة أوسق على ما مضى من القولين ، دفع مثله تمرا كأن يقول : خرصها رطبا ستة أوسق وإذا يبس تمرا أربعة أوسق ، فيدفع إليه بالكيل أربعة أوسق تمرا ، فإن زاد على الأربعة مدا أو نصف مد ، لم يجز لظهور التفاضل فيه .

                                                                                                                                            وأما الشرط الثالث : وهو التقابض قبل الافتراق : فلأن ما فيه الربا لا يجوز تأخير القبض فيه ، فيقبض المشتري الرطب على رءوس نخله ويدفع التمر إلى بايعه ، وقد تمت العرية فيهما ، ولكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما ، فإذا افترقا لزمت العرية ولا خيار ، ثم للمشتري بعد ذلك أن يجتني ثمرة نخله حالا بعد حال عند إدراكها وقت إبانها ، ولا تجوز العرية إلا فيما بدا صلاحه بسرا كان أو رطبا . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية