[ ص: 275 ] باب بيع الأمة
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " إذا باعه جارية لم يكن لأحد منهما فيها مواضعة ، فإذا دفع الثمن لزم البائع التسليم ، ولا يجبر واحد منهما على إخراج ملكه من يده إلى غيره ، ولو كان لا يلزم دفع الثمن حتى تحيض وتطهر كان البيع فاسدا للجهل بوقت دفع الثمن ، وفساد آخر أن الجارية لا مشتراة شراء العين فيكون لصاحبها أخذها ، ولا على بيع الصفة فيكون الأجل معلوما ، ولا يجوز بيع العين إلى أجل ولا للمشتري أن يأخذ منه جميلا بعهدة ولا بوجه ، وإنما التحفظ قبل الشراء " .
قال الماوردي : ومقدمة هذه المسألة أن الأمة المشتراة يجب استبراؤها ، لكن اختلفوا
فمذهب هل يجب استبراؤها على البائع أو على المشتري ؟ الشافعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، وجمهور الفقهاء : أن الاستبراء يجب على المشتري في ملكه دون البائع . وقال عثمان البتي : الاستبراء واجب على البائع دون المشتري .
وقال الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري : إن الاستبراء واجب على البائع وعلى المشتري .
وأما عثمان البتي فإنه استدل بأن الحرة لما وجب استبراؤها قبل عقد النكاح ، اقتضى أن تكون الأمة يجب استبراؤها قبل عقد البيع .
وأما الحسن البصري ومن تابعه فإنه استدل بأن الاستبراء يجب لحفظ الماء فوجب على البائع أن يستبرئ لحفظ مائه السالف ووجب على المشتري أن يستبرئ لحفظ مائه الآنف .
والدلالة على الفريقين ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لأصحابه في سبي هوازن : " " ، فوجه الدليل منه على ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض عثمان البتي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الغانمين عن الوطء حتى يستبرئوا بعد حدوث الملك ، فوجب أن يكون الاستبراء في المبيعة بعد حدوث الملك . وموضع الدليل منه على الحسن البصري : أنه نهى عن الوطء حتى يوجد استبراء واحد ، وهو يمنع منه حتى يكون الاستبراء مرتين .
[ ص: 276 ] ثم الدليل عليهما من طريق المعنى أن البائع لا يجب عليه استبراء ، وهو أن بقاء ملك البائع لا يوجب إباحة الاستمتاع ، فلو وجب عليه أن يستبرئ لكان الملك باقيا والاستمتاع محرما ، وإرادة البيع لا توجب انتقال الملك فوجب أن لا يوجب تحريم الاستمتاع ، ولأن الأمة موطوءة في ملك فاقتضى أن يجب استبراؤها بعد زوال الملك كالزوجة .
فأما الجواب عن استدلال عثمان البتي بأن الحرة لما وجب استبراؤها قبل عقد النكاح اقتضى أن يجب استبراء الأمة قبل عقد البيع ، فهو أن ما ذكره البتي لا يصح : لأن الملك قد يكون بالسبي والإرث ، والوصية ، فلو لم يستبرئها المشتري أفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الأسباب ، والفرق بين البيع والتزويج أن النكاح لا يراد إلا للاستمتاع ، فلا يجوز إلا فيمن تحل فوجب أن يتقدمه الاستبراء ، ولهذا لا يصح تزويج معتدة ولا مرتدة ولا مجوسية ولا وثنية ولا محرمة بالرضاع ولا المصاهرة . والبيع يراد لغير ذلك فصح البيع قبل الاستبراء : ولهذا صح في هذه المحرمات ووجب الاستبراء على المشتري .
وأما الجواب عن استدلال الحسن فإنهما ماءان فوجب لكل واحد منهما استبراء مائه ، فهو أن الاستبراء لماء واحد ، وهو البائع السالف دون المشتري الآنف ، ألا ترى أن استبراء الحرة أغلظ من استبراء الأمة : لأنها تستبرأ بثلاثة أقراء ، والأمة بقرء واحد ، فلما وجب على الحرة واحد مع تغليظ حالها فالأمة مع خفة أمرها أولى أن يلزمها استبراء واحد .