الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولو كان له على رجل حق من بيع أو غيره حال ، فأخره به مدة كان له أن يرجع متى شاء وذلك أنه ليس بإخراج شيء من ملكه ولا أخذ منه عوضا فيلزمه وهذا معروف لا يجب له أن يرجع فيه " .

                                                                                                                                            [ ص: 359 ] قال الماوردي : وهذا كما قال . إذا كان لرجل في ذمة آخر دين حال فسأل تأجيله فأجله ، لم يلزم الأجل وكان له المطالبة به حالا .

                                                                                                                                            ولو وفى بوعده وأجله به كان حسنا .

                                                                                                                                            وقال مالك : متى أنظره بالدين وأجله له مدة لزمه ، ولم يكن له أن يتعجل المطالبة به ، سواء كان من ثمن مبيع أو قيمة متلف أو غيره ، بناء على أصله في أن الهبة تلزم بالعقد دون القبض ، فكذلك هنا الأجل يلزم بالوعد ويصير كالمستحق بالعقد .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان الدين قيمة متلف لا مدخل للأجل في أصله لم يلزمه الأجل ، وإن كان من ثمن مبيع قد يصح دخول الأجل في أصله لزمه تأجيله ، بناء على أصله في أن ما اتفقا عليه بعد لزوم العقد من خيار أو أجل أو زيادة أو نقص في الثمن ، فهو لاحق بالعقد كما لو كان ذكراه حين البيع .

                                                                                                                                            وعند الشافعي أن بعد لزوم العقد بالافتراق لا يلحق العقد أجل ولا خيار ولا زيادة في الثمن ولا نقصان .

                                                                                                                                            واستدل من ألحق ذلك بالعقد بقوله صلى الله عليه وسلم : المؤمنون عند شروطهم .

                                                                                                                                            فوجب أن يلزم ما شرطا من الأجل . قالوا : ولأن كل ما لزم بمقارنة العقد لزم إذا اتفقا عليه بعد لزوم العقد كالرهن . ولأن كل حال يملكان فيها الفسخ يملكان فيها شرط الأجل أصله ما بعد العقد وقبل التفرق .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] .

                                                                                                                                            فلو صح أن يغير حكم العقد لما لزم الوفاء بما يقدم من العقد .

                                                                                                                                            ولأنه حق استقر معجلا فلم يعد بالتأخير مؤجلا قياسا على قيم المتلفات . ولأنه عقد قد استقر لزومه فلم يجز أن يلحقه ما يغير أصله إذا كان ما اتفقا عليه بعد تلف العين أو موت أحد المتعاقدين .

                                                                                                                                            ولأنه لو جاز أن يكون ما زيد في الثمن لاحقا بالعقد لكان الإبراء منه رافعا لجميع العقد ، وجاز إذا زاد المشتري في ثمن ما قد استحق بالشفعة أن يرجع به على الشفيع .

                                                                                                                                            وفي إبطال أن يكون الحكم في هذين إلا على ما اتفقنا ؛ دليل على القول بمثله فيما اختلفنا .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله : " المؤمنون عند شروطهم " فمعارض أو مخصوص أو مستعمل على الاستحباب .

                                                                                                                                            [ ص: 360 ] وأما الجواب عن قياسهم على الرهن فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الرهن عقد يستقر بنفسه ، وليس كالأجل الذي هو تبع لغيره .

                                                                                                                                            والثاني : أن الرهن بعد البيع ليس بلازم إلا بالقبض ، وكذا الأجل ليس بلازم إلا بالقبض ، لكن قبض الأجل يقضي زمانه ، فما لم يمض الزمان فهو في حكم الرهن ما لم يقبض .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على خيار المجلس ، فالمعنى فيه أن العقد لم يستقر لزومه ، وهو بعد الخيار مستقر فثبت ما ذكرنا ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية