[ ص: 407 ] باب التسعير  
قال  الشافعي   رضي الله عنه : " أخبرنا  الدراوردي ،   عن  داود بن صالح التمار ،   عن  القاسم بن محمد ،   عن  عمر ،   أنه مر  بحاطب بن أبي بلتعة   بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب ، فسأله عن سعرهما فسعر له مدين بدرهم ، فقال  عمر      : لقد حدثت بعير مقبلة من  الطائف   تحمل زبيبا ، وهم يعتبرون سعرك ، فإما أن ترفع في السعر ، وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت ، فلما رجع  عمر   حاسب نفسه ، ثم أتى  حاطبا   في داره فقال له : إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء ، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد ، فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع .  
( قال  الشافعي      ) وهذا الحديث مستقصى ليس بخلاف لما روى  مالك   ولكنه روى بعض الحديث ، أو رواه من روى عنه ، وهذا أتى بأول الحديث وآخره ، وبه أقول : لأن الناس مسلطون على أموالهم ، ليس لأحد أن يأخذها ولا شيئا منها بغير طيب أنفسهم ، إلا في المواضع التي تلزمهم وهذا ليس منها " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال .  ولا يصح السلم إلا بعد تسليم جميع الثمن قبل الافتراق   فإن افترقا قبل قبضه بطل السلم .  
وقال  مالك      : إن  تقابضا بعد الافتراق بزمان قريب   إلى مدة ثلاثة أيام صح السلم . وإن لم يتقابضا حتى مضت الثلاث بطل .  
وهذا خطأ : لقوله صلى الله عليه وسلم :    " من أسلف فليسلف في كيل معلوم "  فأمر بسلف المال فيه ، وذلك يقتضي التعجيل ، ولأن السلم مشتق من إسلام المال وهو تعجيله ، فلو جاز تأخيره عن المجلس لسلب معنى الاسم ، ولأن في السلم غررا ، فلو جاز فيه تأخير الثمن لازداد فيه الغرر ، وزيادة الغرر في العقد تبطله ، ولأن الثمن إذا تأخر مع تأخير المثمن صار دينا بدين ، وقد  نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين .  
فإذا ثبت أن تعجيل الثمن في السلم من شرط صحته تعجيل نصف الثمن وبقي      [ ص: 408 ] النصف ثم افترقا ، فقد اختلف أصحابنا في هذا العقد على ثلاثة مذاهب : أحدها : وهو قول  البصريين      : إن العقد يكون باطلا في الكل : لأن من شرط صحته تسليم جميع ثمنه ، فإذا لم يسلم جميع الثمن عدم الشرط ، فبطل كله .  
والمذهب الثاني : وهو قول  البغداديين      : إن السلم فيما تقابضاه جائز ، وفيما بقي باطل : لأنهما لو تقابضا الجميع لصح ، ولو لم يتقابضاه لبطل ، فوجب إذا تقابضا البعض وبقي البعض أن يصح فيها فيما قبض ، ويبطل فيما لم يقبض ، قالوا : ولا خيار في تفريق الصفقة : لأن افتراقهما على البعض رضا منهما بالتفريق .  
والمذهب الثالث : أن المسلم فيما لم يتقابضاه باطل ، وفيما تقابضاه على قولين من تفريق الصفقة ، وللمسلم إليه الخيار دون المسلم في أن يمضي العقد في البعض أو يفسخ .  
فصل : فأما  إذا تقابضا الثمن ثم بان بعد التفرق أنه رديء معيب ،   فإن عيبه لا يخرجه من جنس الأثمان ، فإن كان معيبا : قيل : للمسلم إليه أنت بالخيار بين أن تسمح بعيبه أو تفسخ العقد به ، وليس له أبدا لتعيينه ، وإن لم يكن الثمن معينا ، وكان موصوفا على مذهب من يجيزه ، فهل له إبداله أم لا ؟ على قولين .  
فيمن صارت دراهم غير معيبة فبانت بعد التفرق معيبة رديئة ، فهل له البدل أم لا ؟ على قولين كذلك . مسألتنا أحد القولين ؛ له البدل ولا خيار ، والقول الثاني : لا بدل له ويكون له الخيار بين أن يسمح بعيبه أو يفسخ العقد به .  
				
						
						
