فصل : وإن كان الذنب معصية يتعلق بها مع الإثم حق ، فهي على ضربين فعل وقول ، فأما الفعل فعلى ضربين :
أحدهما : ما
nindex.php?page=treesubj&link=19720_19712كان الحق المتعلق به مختصا بالآدميين كالغصوب والقتل ، فصحة توبته منه معتبرة بثلاثة شروط :
أحدها : بالندم على فعله .
والثاني : بالعزم على ترك مثله .
[ ص: 30 ] والثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=19720_19712برد المغصوب أو بدله إن عدم على صاحبه ، وتسليم نفسه إلى مستحق القصاص ليقتص أو يعفو ، فإن أعسر بالمال أنظر إلى ميسرته ، والتوبة قد صحت ، وهذه التوبة معتبرة في الظاهر والباطن ، لأن الغصب ظاهر .
والضرب الثاني : ما كان الحق المتعلق به مختصا بالله تعالى كالزنى ، واللواط ، وشرب الخمر ، فله في فعله حالتان :
إحداهما : أن يكون قد
nindex.php?page=treesubj&link=33472_24026استتر بفعله ، ولم يتظاهر به ، فالأولى به أن يستره على نفسه ولا يظهره لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925631من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله " وكانت توبته معتبرة بشرطين :
أحدهما : الندم على فعله .
والثاني : العزم على ترك مثله ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=24026_32532أظهره لم يأثم بإظهاره لأن
ماعزا والغامدية اعترفا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنى ، فرجمهما ، ولم ينكر عليهما اعترافهما .
وقال
لهزال بن شرحبيل وقد أشار على
ماعز بالاعتراف بالزنى . "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924229هلا سترته بثوبك يا هزال " ، فإن أظهر ذلك قبل التوبة وجب الحد عليه ، وكانت توبته معتبرة بثلاثة شروط : الندم على فعله ، والعزم على ترك مثله ، وتسليم نفسه للحد ، فإن سلمها ، ولم يحد صحت توبته ، وكان المأثم في ترك الحد على من يلزمه استيفاؤه من الإمام أو من ينوب عنه ، فإن أظهر ذلك بعد توبته ، فالتوبة صحيحة يسقط بها حدود الحرابة .
وفي سقوط ما عداها من حدود الله تعالى في الزنى والخمر وقطع السرقة قولان :
أحدهما : تسقط كالحرابة ، فعلى هذا تكون صحة توبته معتبرة بشرطين : الندم ، والعزم .
والثاني : لا تسقط فعلى هذا تكون صحة توبته معتبرة بعد الشرطين بثالث ، وهو تسليم نفسه للحد ، وهذا إذا تاب قبل ظهور حاله ، ويعود بعد التوبة إلى حاله قبل المعصية .
فإن كان ممن يقبل شهادته قبل المعصية قبلت بعد التوبة ، وإن كان ممن لا تقبل قبل المعصية لم تقبل بعد التوبة ولا يتوقف عنه لاستبراء صلاحه ، لأنه ما أظهر التوبة فيما كان مستورا عليه إلا عن صلاح يغني عن استبراء الحال .
والحال الثانية : أن يكون قد تظاهر بالمعصية من الزنى ، واللواط ، وشرب الخمر ، فعليه أن
nindex.php?page=treesubj&link=29489يتظاهر بالتوبة كما تظاهر بالمعصية ، فإن ثبت الحد عليه عند مستوفيه لم يسقط عنه بالتوبة ، ويعتبر صحة توبته بثلاثة شروط : الندم على فعله ، والعزم على ترك مثله ، وأن يسلم نفسه لإقامة الحد عليه وإن تاب قبل ثبوت الحد عليه ، ففي سقوطه
[ ص: 31 ] عنه بالتوبة قولان :
أحدهما : قد سقط عنه بالتوبة ، فعلى هذا يعتبر في توبته شرطان الندم والعزم .
والقول الثاني : لا يسقط بالتوبة فعلى هذا يعتبر في توبته ثلاثة شروط : الندم على ما فعل ، والعزم على ترك مثله في المستقبل ، والاعتراف به عند مستوفي الحد ، ليقيمه عليه ، فإذا استكملها صحت توبته في سقوط المأثم ، وما تعلق بحقوق الله تعالى .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=10563ثبوت العدالة وقبول الشهادة ، فمعتبر بعد التوبة بصلاح حاله واستبراء أفعاله ، بزمان يختبر فيه ، لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما [ الفرقان : 25 ] .
وصلاح حاله معتبر بزمان اختلف الفقهاء في حده ، فاعتبره بعضهم بستة أشهر ، واعتبره أصحابنا بسنة كاملة ، لأن السنة في الشرع أصل معتبر في الزكاة والجزية وأجل العنة ، ولأنها تشتمل على الفصول الأربعة المهيجة للطباع ، فإذا سلم فيها من ارتكاب ما كان تقدم عليه من المعاصي صحت عدالته ، وقبلت شهادته ، وفي اعتبار هذه السنة وجهان :
أحدهما : أنها معتبرة على وجه التحقيق .
والثاني : على وجه التقريب .
فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ مَعْصِيَةً يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعَ الْإِثْمِ حَقٌّ ، فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ فِعْلٍ وَقَوْلٍ ، فَأَمَّا الْفِعْلُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=19720_19712كَانَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ مُخْتَصًّا بِالْآدَمِيِّينَ كَالْغُصُوبِ وَالْقَتْلِ ، فَصِحَّةُ تَوْبَتِهِ مِنْهُ مُعْتَبَرَةٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ :
أَحَدُهَا : بِالنَّدَمِ عَلَى فِعْلِهِ .
وَالثَّانِي : بِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ .
[ ص: 30 ] وَالثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=19720_19712بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ بَدَلِهِ إِنْ عُدِمَ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَتَسْلِيمُ نَفْسِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ ، فَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَالِ أُنْظِرَ إِلَى مَيْسَرَتِهِ ، وَالتَّوْبَةُ قَدْ صَحَّتْ ، وَهَذِهِ التَّوْبَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، لِأَنَّ الْغَصْبَ ظَاهِرٌ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مَا كَانَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ مُخْتَصًّا بِاللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَى ، وَاللِّوَاطِ ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، فَلَهُ فِي فِعْلِهِ حَالَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَدِ
nindex.php?page=treesubj&link=33472_24026اسْتَتَرَ بِفِعْلِهِ ، وَلَمْ يَتَظَاهَرْ بِهِ ، فَالْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَسْتُرَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُظْهِرَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925631مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدَّ اللَّهِ " وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِشَرْطَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : النَّدَمُ عَلَى فِعْلِهِ .
وَالثَّانِي : الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24026_32532أَظْهَرَهُ لَمْ يَأْثَمْ بِإِظْهَارِهِ لِأَنَّ
مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ اعْتَرَفَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّنَى ، فَرَجَمَهُمَا ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا اعْتِرَافَهُمَا .
وَقَالَ
لِهَزَّالِ بْنِ شُرَحْبِيلَ وَقَدْ أَشَارَ عَلَى
مَاعِزٍ بِالِاعْتِرَافِ بِالزِّنَى . "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924229هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ " ، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ : النَّدَمِ عَلَى فِعْلِهِ ، وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ ، وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْحَدِّ ، فَإِنْ سَلَّمَهَا ، وَلَمْ يُحَدَّ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ ، وَكَانَ الْمَأْثَمُ فِي تَرْكِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ ، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ ، فَالتَّوْبَةُ صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا حُدُودُ الْحِرَابَةِ .
وَفِي سُقُوطِ مَا عَدَاهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزِّنَى وَالْخَمْرِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَسْقُطُ كَالْحِرَابَةِ ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ مُعْتَبَرَةً بِشَرْطَيْنِ : النَّدَمِ ، وَالْعَزْمِ .
وَالثَّانِي : لَا تَسْقُطُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ مُعْتَبَرَةً بَعْدَ الشَّرْطَيْنِ بِثَالِثٍ ، وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ لِلْحَدِّ ، وَهَذَا إِذَا تَابَ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ ، وَيَعُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ .
فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ قُبِلَتْ بَعْدَ التَّوْبَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَلَا يَتَوَقَّفْ عَنْهُ لِاسْتِبْرَاءِ صَلَاحِهِ ، لِأَنَّهُ مَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ فِيمَا كَانَ مَسْتُورًا عَلَيْهِ إِلَّا عَنْ صَلَاحٍ يُغْنِي عَنِ اسْتِبْرَاءِ الْحَالِ .
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ قَدْ تَظَاهَرَ بِالْمَعْصِيَةِ مِنَ الزِّنَى ، وَاللِّوَاطِ ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29489يَتَظَاهَرَ بِالتَّوْبَةِ كَمَا تَظَاهَرَ بِالْمَعْصِيَةِ ، فَإِنْ ثَبَتَ الْحَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ مُسْتَوْفِيهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ ، وَيُعْتَبَرُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ : النَّدَمِ عَلَى فِعْلِهِ ، وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ ، وَأَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَإِنْ تَابَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، فَفِي سُقُوطِهِ
[ ص: 31 ] عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : قَدْ سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ ، فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي تَوْبَتِهِ شَرْطَانِ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي تَوْبَتِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ : النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتُقْبَلِ ، وَالِاعْتِرَافُ بِهِ عِنْدَ مُسْتَوْفِي الْحَدِّ ، لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَهَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فِي سُقُوطِ الْمَأْثَمِ ، وَمَا تَعَلَّقَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10563ثُبُوتُ الْعَدَالَةِ وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ ، فَمُعْتَبَرٌ بَعْدَ التَّوْبَةِ بِصَلَاحِ حَالِهِ وَاسْتِبْرَاءِ أَفْعَالِهِ ، بِزَمَانٍ يُخْتَبَرُ فِيهِ ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ الْفُرْقَانِ : 25 ] .
وَصَلَاحُ حَالِهِ مُعْتَبَرٌ بِزَمَانٍ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّهِ ، فَاعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَاعْتَبَرَهُ أَصْحَابُنَا بِسَنَةٍ كَامِلَةٍ ، لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الشَّرْعِ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَأَجَلِ الْعُنَّةِ ، وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمُهَيِّجَةِ لِلطِّبَاعِ ، فَإِذَا سَلِمَ فِيهَا مِنِ ارْتِكَابِ مَا كَانَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَاصِي صَحَّتْ عَدَالَتُهُ ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ السُّنَّةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ .
وَالثَّانِي : عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ .