الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثاني : في صفة الزنا .

                                                                                                                                            فلا يقتنع من الشهود أن يشهدوا بالزنا حتى يصفوه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي ويصدق ذلك ويكذبه الفرج " .

                                                                                                                                            ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استثبت ماعزا بعد إقراره بالزنا فقال " لعلك قبلت لعلك لمست "

                                                                                                                                            قال : فعلت ، بصريح اللفظ دون كنايته .

                                                                                                                                            فإذا لزم ذلك في المقر كان في الشاهد أحق .

                                                                                                                                            [ ص: 239 ] فإذا شهد أربعة على رجل بالزنا سألهم الحاكم : كيف زنى ؟ ولم يحده قبل صفة الزنا .

                                                                                                                                            ولأن عمر رضي الله عنه سأل من شهد على المغيرة بالزنا : كيف زنى ؟ فقال أبو بكرة مع شبل بن معبد ونافع : رأينا ذكره يدخل في فرجها كدخول المرود في المكحلة .

                                                                                                                                            وعرض زياد ، وهو الرابع فقال رأيت بطنه على بطنها ، ورأيت أرجلا مختلفة ونفسا يعلو واستا تنبو ، فقال عمر : رأيت ذكره في فرجها ؟ فقال : لا ، فقال عمر : الحمد لله قم يا أرخى اجلد هؤلاء الثلاثة .

                                                                                                                                            فجلدهم حد القذف ، فلم يجلد المغيرة ، لأن الشهادة عليه لم تكمل ، ولم يجلد زيادا للقذف ، لأنه عرض لم يصرح به .

                                                                                                                                            فإذا كان كذلك ، اعتبر ما وصفه الشهود .

                                                                                                                                            فإن صرحوا بدخول ذكره في فرجها ، كملت بهم الشهادة ، وحد المشهود عليه حد الزنا ، وسلم الشهود من حد القذف .

                                                                                                                                            وإن لم يصرحوا جميعا بدخول ذكره في فرجها ، فلا حد على الشهود عليه ، فأما الشهود ، فإن قالوا في أول الشهادة : إنه زنى ووصفوا ما ليس بزنا ، حدوا حدا واحدا . لأنهم قد صرحوا بالقذف ولم يشهدوا بالزنا .

                                                                                                                                            وإن لم يقولوا في أول الشهادة أنه زنى وشهدوا عليه بما ليس بزنا ، لم يحدوا قولا واحدا .

                                                                                                                                            وإن وصف ثلاثة منهم الزنا ، ووصف الرابع ما ليس بزنا ، لم يحد المشهود عليه ، لأن البينة بالزنا لم تكمل ، وفي حد الثلاثة الذين وصفوا الزنا قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحدون لأن عمر رضي الله عنه حدهم لأنهم صاروا قذفة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يحدون ، لأنهم قصدوا الشهادة بالزنا ولم يقصدوا المعرة بالقذف .

                                                                                                                                            فإن قيل بوجوب الحد عليهم لم تقبل شهادتهم حتى يتوبوا ، وقبل خبرهم قبل التوبة ، لأن أبا بكرة حين حد قال له عمر : تب أقبل شهادتك ، فامتنع وقال : والله لقد زنى المغيرة ، فهم بجلده مرة ثانية ، فقال له علي عليه السلام : إنك إن جلدته رجمت

                                                                                                                                            [ ص: 240 ] صاحبك ، يعني أنك إن جعلت هذا غير الأول ، فقد كملت به الشهادة ، فأرجم المغيرة ، وإن كان هو الأول ، فقد جلدته .

                                                                                                                                            وكان أبو بكرة بعد ذلك يقبل خبره ، ولا تقبل شهادته .

                                                                                                                                            وأما الرابع الذي وصف ما ليس بزنا فينظر في شهادته : فإن قال : إنه زنا ، ثم وصف ما ليس بزنا حد قولا واحدا .

                                                                                                                                            وإن لم يقل زنا ، ووصف ما ليس بزنا فلا حد عليه قولا واحدا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية