فصل : ودليلنا : ما رواه  الشافعي   في صدر الباب عن  ابن عباس   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "  قضى باليمين مع الشاهد      " فإن قيل : هذا الحديث منقطع ومرسل ، لأن  عمرو بن دينار   لم يلق  ابن عباس      .  
 [ ص: 70 ] قيل : قد رواه  مسلم بن خالد الزنجي   ، عن  عمرو بن دينار   ، عن  طاوس   ، عن  ابن عباس   ، وقد رواه  الشافعي   عن  عبد العزيز بن محمد الدراوردي   ، عن  ربيعة   ، عن  سهيل بن أبي صالح   ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة      : أن النبي صلى الله عليه وسلم "  قضى باليمين مع الشاهد     " .  
فإن قيل : فهذا الحديث معلول ، لأن  عبد العزيز بن محمد   قال : لقيت  سهيل بن أبي صالح   فسألته عن هذا الحديث ، فقال : أخبرني  ربيعة   وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ، ولا أحفظه .  
قال  عبد العزيز      : وكان أصاب  سهيلا   علة ذهب بها بعض عقله ، فنسي بعض حديثه ، فكان  سهيل   إذا روى هذا الحديث قال : أخبرني  ربيعة   عن  أبي هريرة      .  
قيل : نسيان الراوي لا يمنع من قبول حديثه ، قبل نسيانه ، وليس النسيان أكثر من الموت الذي لا يرد به الحديث . وضبطه لنفسه حتى نسي الرواية فحدث بها عن  ربيعة   عن نفسه - دليل على صحة عقله .  
وقد رواه  ابن المبارك   ، عن  المغيرة بن عبد الرحمن بن أبي الزناد   ، عن  الأعرج   ، عن  أبي هريرة      . فكان مرويا من طريقين ثابتين . وروى  جعفر بن محمد   ، عن أبيه ، عن جده ،  علي بن أبي طالب   ، أن النبي صلى الله عليه وسلم "  قضى بالشاهد الواحد مع يمين من له الحق     " .  
قال  جعفر بن محمد      : ولقيت  الحكم بن عتيبة   يسأل أبي ، وقد وضع يده على جدار ، ليقوم ، أقضى النبي صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد ؟ قال : نعم     .  
وقضى به  علي   بين أظهركم  بالعراق      .  
وروى  جعفر بن محمد   عن أبيه ، عن  جابر   ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  أتاني  جبريل   فأمرني أن أقضي باليمين مع الشاهد ؟ قال : نعم  
وروى  مطرف بن مازن   ، عن  ابن جريج   ، عن  عمرو بن شعيب   عن أبيه عن جده :  
أن النبي صلى الله عليه وسلم " قضى باليمين مع الشاهد "  ، وروى  سعيد بن عمرو بن شرحبيل   ، عن  سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري   ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، "  أنه قضى باليمين مع الشاهد الواحد في الحقوق     " .  
وروى  أبي بن كعب   ،  وزيد بن ثابت   أنه :  قضى باليمين مع الشاهد  ، فصار هذا الحديث مرويا عن ثمانية من الصحابة :  علي   ،  وابن عباس   ،  وأبي هريرة   ،  وجابر بن      [ ص: 71 ] عبد الله   ،  وعبد الله بن عمرو بن العاص   ،  وأبي بن كعب   ،  وزيد بن ثابت   ،  وسعد بن عبادة   رضي الله عنهم . ولعله قد رواه غيرهم ، فكان من أشهر الأحاديث وأثبتها ، وقد قضى  علي بن أبي طالب   بالكوفة   باليمين مع الشاهد على المنبر .  
معناه : أنه أحلف المدعي قائما على المنبر ، لا أنه حكم به وهو على المنبر .  
فاعترضوا على هذا الحديث من ثلاثة أوجه :  
أحدها : الطعن فيه والقدح في صحته بما حكوه عن  يحيى بن معين      : أن ليس في اليمين مع الشاهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يصح .  
وهذا القدح فاسد ، لأن  مالكا   ،  والشافعي   قد أثبتاه ، وقالا به ، وهما أعرف بصحة الحديث وأقرب إلى زمن معرفته من  يحيى   ، وإن كان الحكاية عنه في قدحه ضعيفة ، وقد أثبته  مسلم بن الحجاج   في الصحيح .  
والاعتراض الثاني : بعد تسليم صحته أن قالوا : يجوز أن يكون قضى بشهادة  خزيمة بن ثابت   ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادته وحده ، وسماه ذا الشهادتين ، وهذه الشهادة يخص بها  خزيمة   ، فلم يجز أن تعتبر في غيره . وعنه جوابان :  
أحدهما : أن  خزيمة   إنما شهد وحده في قصة الأعرابي حين باع النبي صلى الله عليه وسلم فرسا ، ثم جحده إلى أن شهد  خزيمة   ، فاعترف الأعرابي . بعد شهادته ، فلم يختص  خزيمة   إلا بهذه الشهادة .  
والثاني : أنه لو كان ذلك في شهادة  خزيمة   ، لما احتاج إلى إحلاف المدعي مع شهادته .  
والاعتراض الثالث : أن قالوا استعمال الحديث أنه قضى بيمين المدعى عليه مع شاهد المدعي ، لقصور بينته ، في نقصها عن عدد الكمال . وعنه جوابان :  
أحدهما : أن قضاءه باليمين مع الشاهد موجب أن يكون القضاء متعلقا بهما ، وهذا على ما قالوه متعلق باليمين دون الشاهد .  
والثاني : أن في رواية  علي بن أبي طالب   أنه قضى بالشاهد الواحد مع يمين من له الحق إبطالا لهذا الاعتراض وإبطالا لهذا التأويل .  
ويدل عليه انعقاد الإجماع به ، فقد  قضى  علي بن أبي طالب   بالكوفة   باليمين مع الشاهد على المنبر  ، ومعناه أنه أحلف المدعي قائما ، لا أنه حكم وهو على المنبر .  
 [ ص: 72 ] وروى  أبو الزناد   عن  عبد الله بن عامر   قال :  شهدت النبي صلى الله عليه وسلم  وأبا بكر   ،  وعمر   ،  وعثمان   يقضون باليمين مع الشاهد  وأخبر  يحيى   أنه قضى بها  أبي بن كعب   وزيد بن ثابت   ، وقضى بها  عمر بن عبد العزيز   ، وكتب بها إلى خلفائه في جميع الأمصار ، ومثل هذا العمل المشهور إذا لم يعارض بالخلاف كان إجماعا منتشرا ، وحجاجا قاطعا .  
فإن قيل : فقد قال  الزهري      :  القضاء بالشاهد مع اليمين   بدعة وأول من قضى به  معاوية      .  
قيل : قول  الزهري   مع عمل من ذكرناه مردود وقيل : قال  الشافعي      : إن  الزهري   قضى بها حين ولي ، والإثبات الموافق للجماعة أولى من النفي المخالف لهم ، ويدل عليه من طريق الاعتبار أنه أحد المتداعيين ، فجاز أن يكون في جنبته ، كالمدعى عليه ، ولأن أصول الأحكام موضوعة على أن تكون في جنبة أقوى المتداعيين ، وأقواهما مع عدم الشهادة جنبة المدعى عليه ، لأن الأصل براءة ذمته ، فإذا حصل مع المدعي شاهد صار أقوى فوجب أن تكون في جنبته .  
				
						
						
