[ ص: 100 ] باب
nindex.php?page=treesubj&link=15206_15246الخلاف في اليمين مع الشاهد
قال
الشافعي رحمه الله : " قال بعض الناس : فقد أقمتم اليمين مقام شاهد ، قلت : وإن أعطيت بها كما أعطيت بشاهد ، فليس معناها معنى شاهد ، وأنت تبرئ المدعى عليه بشاهدين وبيمينه إن لم يكن له بينة ، وتعطي المدعي حقه بنكول صاحبه كما تعطيه بشاهدين ، أفمعنى ذلك معنى شاهدين ؟ قال : فكيف يحلف مع شاهده على وصية أوصى بها ميت ، أو أن لأبيه حقا على رجل وهو صغير ، وهو إن حلف حلف على ما لم يعلم ، قلت : فأنت تجيز أن يشهد أن فلانا ابن فلان وأبوه غائب لم ير أباه قط ويحلف ابن خمس عشرة سنة مشرقيا ، اشترى عبدا ابن مائة سنة مغربيا ، ولد قبل جده ، فباعه ، فأبق ، أنك تحلفه لقد باعه بريئا من الإباق على البت ، قال : ما يجد الناس بدا من هذا غير أن
الزهري أنكرها ، قلت : فقد قضى بها حين ولي ، أرأيت ما رويت عن
علي من إنكاره على معقل حديث
بروع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها المهر والميراث ، ورد حديثه ، ومع
علي زيد وابن عمر فهل رددت شيئا بالإنكار ، فكيف يحتج بإنكار
الزهري ؟ وقلت له : وكيف حكمت بشهادة قابلة في الاستهلال ، وهو ما يراه الرجال ؟ أم كيف حكمت على أهل محلة ، وعلى عواقلهم ، بدية الموجود قتيلا في محلتهم في ثلاث سنين ، وزعمت أن القرآن يحرم أن يجوز أقل من شاهد وامرأتين ، وزعمت أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن اليمين براءة لمن حلف ، فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة ؟ أرأيت لو قال لك أهل المحلة أتدعي علينا فأحلف جميعنا وأبرئنا ، قال : لا أحلفهم إذا جاوزوا خمسين رجلا ولا أبرئهم بأيمانهم ، وأغرمهم ، قلت : فكيف جاز لك هذا ؟ قال : روينا هذا عن
عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فقلت فإن قيل لك : لا يجوز على
عمر أن يخالف الكتاب والسنة وقال
عمر نفسه : البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ، قال : لا يجوز أن أتهم من أثق به ، ولكن أقول بالكتاب والسنة وقول
عمر على الخاص : قلت فلم لم يجر لنا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجزت لنفسك من
عمر ؟ قلت : وقد رويتم أن
عمر كتب فجلبهم إلى
مكة وهو مسيرة
[ ص: 101 ] اثنين وعشرين يوما فأحلفهم في الحجر ، وقضى عليهم بالدية ، فقالوا : ما وفت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا ، فقال : حقنتم بأيمانكم دماءكم ، فخالفتم في ذلك
عمر ، فلا أنتم أخذتم بكل حكمه ، ولا تركتموه ، ونحن نروي عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بالإسناد الصحيح ، أنه بدأ في القسامة بالمدعين ، فلما لم يحلفوا قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925648تبرئكم يهود بخمسين يمينا ، وإذ قال تبرئكم
يهود ، فلا يكون عليهم غرم ، ويروى عن
عمر أنه بدى المدعى عليهم ، ثم رد اليمين على المدعين ، وهذان جميعا يخالفان ما رويتم عنه ، وقد أجزتم شهادة أهل الذمة ، وهم غير الذين شرط الله ، عز وجل ، أن تجوز شهادتهم ، ورددتم سنة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في اليمين مع الشاهد ، قال : فإنا أجزنا شهادة أهل الذمة بقول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106أو آخران من غيركم قلت : سمعت من أرضى يقول : من غير قبيلتكم من المسلمين ، ويحتج بقول الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106تحبسونهما من بعد الصلاة قلت : والمنزل فيه هذه الآية رجل من العرب ، فأجزت شهادة مشركي العرب بعضهم على بعض ؟ قال : لا ، إلا شهادة أهل الكتاب ، قلت : فإن قال قائل : لا إلا شهادة مشركي العرب فما الفرق ؟ فقلت له : أفتجيز اليوم شهادة أهل الكتاب على وصية مسلم كما زعمت أنها في القرآن ؟ قال : لا ، لأنها منسوخة ، قلت : بماذا ؟ قال : بقول الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم قلت : فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن ، إذ لم يجز الله إلا مسلما ، فأجزت كافرا ، وقال لي قائل : إذا نص الله حكما في كتابه ، فلا يجوز أن يكون سكت عنه ، وقد بقي منه شيء ، ولا يجوز لأحد أن يحدث فيه ما ليس في القرآن ، قلت : فقد نص الله عز وجل الوضوء في كتابه ، فأحدث فيه المسح على الخفين ، ونص ما حرم من النساء ، وأحل ما وراءهن ، فقلت : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ونص المواريث ، فقلت : لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر ، وإن كانوا ولدا أو والدا ، ونص حجب الأم بالإخوة ، فحجبتها بأخوين ، ونص للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ، ورفع العدة ، فقلت : إن خلا بها ولم يمسها ، فلها المهر ، وعليها العدة ، فهذه أحكام منصوصة في القرآن ، فهذا عندك خلاف ظاهر القرآن ، واليمين مع الشاهد لا يخالف ظاهر القرآن شيئا ، والقرآن عربي ، " فيكون عاما يراد به الخاص ، وكل كلام احتمل في القرآن معاني ، فسنة رسول الله في صلى الله عليه وسلم تدل على أحد معانيه ، موافقة له لا مخالفة للقرآن . قال
الشافعي رحمه الله : وما تركنا من الحجة عليهم - أكثر مما كتبناه . وبالله التوفيق " .
قال
الماوردي : يريد
الشافعي بمن حكى عنه بعض الناس ، إما
محمد بن الحسن أو غيره من فقهاء
العراق ، أنه اعترض على
الشافعي في حكمه بالشاهد واليمين في
[ ص: 102 ] الأموال دون غيرها ، بأنه لو أقام مقام الشاهدين في الأموال ، لقام مقامهما في غير الأموال ، فأجاب
الشافعي عن هذا ، وإن كنا قد قدمنا من دلائل إثباته ، ونفيه وما أوضح به
الشافعي حجاجه ، وأبطل به قول من رد عليه ، فيحسن توضيحه ، وإن تقدم ما أغنى عنه ، فقال
الشافعي لمن عارضه بهذا الرد : " أنا وإن أعطيت بها " ، يعني : باليمين مع الشاهد ما أعطي بشاهدين " فليس معناها معنى شاهد " يعني فليس معناها في كل موضع معنى شاهد ، وإن كان معناها في هذا الموضع معنى شاهد ثم بين له
الشافعي فساد اعتراضه ، فقال : " وأنت تبرئ المدعى عليه بشاهدين ، وبيمينه إن لم تكن له بينة ، وتعطي المدعي حقه بنكول صاحبه كما تعطي بالشاهدين ، أفمعنى ذلك معنى شاهدين ؟ " يعني أن المدعى عليه يبرأ بيمينه كما يبرأ بشاهدين ، وإن لم تكن في كل موضع كالشاهدين ، وأنه يحكم للمدعي بنكول صاحبه كما يحكم له بشاهدين ، وإن لم يكن النكول في كل موضع كالشاهدين صح ، وأن الحكم بالشاهد والمرأتين في موضع لا يوجب الحكم بهم في كل موضع ، كذلك الحكم باليمين مع الشاهد في موضع لا يوجب الحكم به في كل موضع ، وهذا جواب مقنع .
[ ص: 100 ] بَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=15206_15246الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ
قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : فَقَدْ أَقَمْتُمُ الْيَمِينَ مَقَامَ شَاهِدٍ ، قُلْتُ : وَإِنْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَمَا أَعْطَيْتُ بِشَاهِدٍ ، فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى شَاهِدٍ ، وَأَنْتَ تُبَرِّئُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ وَبِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ ، وَتُعْطِي الْمُدَّعِيَ حَقَّهُ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ كَمَا تُعْطِيهِ بِشَاهِدَيْنِ ، أَفَمَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى شَاهِدَيْنِ ؟ قَالَ : فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا مَيِّتٌ ، أَوْ أَنَّ لِأَبِيهِ حَقًّا عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ صَغِيرٌ ، وَهُوَ إِنْ حَلَفَ حَلَفَ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ ، قُلْتُ : فَأَنْتَ تُجِيزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ فُلَانًا ابْنُ فُلَانٍ وَأَبُوهُ غَائِبٌ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ وَيَحْلِفَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَشْرِقِيًّا ، اشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ مَغْرِبِيًّا ، وُلِدَ قَبْلَ جَدِّهِ ، فَبَاعَهُ ، فَأَبَقَ ، أَنَّكَ تُحَلِّفُهُ لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنَ الْإِبَاقِ عَلَى الْبَتِّ ، قَالَ : مَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنْ هَذَا غَيْرَ أَنَّ
الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهَا ، قُلْتُ : فَقَدْ قَضَى بِهَا حِينَ وَلِيَ ، أَرَأَيْتَ مَا رَوَيْتَ عَنْ
عَلِيٍّ مِنْ إِنْكَارِهِ عَلَى مَعْقِلٍ حَدِيثَ
بِرْوَعَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ وَالْمِيرَاثَ ، وَرَدَّ حَدِيثَهُ ، وَمَعَ
عَلِيٍّ زَيْدٌ وَابْنُ عُمَرَ فَهَلْ رَدَدْتُ شَيْئًا بِالْإِنْكَارِ ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِإِنْكَارِ
الزُّهْرِيِّ ؟ وَقُلْتُ لَهُ : وَكَيْفَ حَكَمْتَ بِشَهَادَةِ قَابِلَةٍ فِي الِاسْتِهْلَالِ ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ الرِّجَالُ ؟ أَمْ كَيْفَ حَكَمْتَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ ، وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ ، بِدِيَةِ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَزَعَمْتَ أَنَّ الْقُرْآنَ يُحَرِّمُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَزَعَمْتَ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بَرَاءَةٌ لِمَنْ حَلَفَ ، فَخَالَفْتَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ؟ أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ لَكَ أَهْلُ الْمَحِلَّةِ أَتَدَّعِي عَلَيْنَا فَأَحْلِفْ جَمِيعَنَا وَأَبْرِئْنَا ، قَالَ : لَا أُحَلِّفُهُمْ إِذَا جَاوَزُوا خَمْسِينَ رَجُلًا وَلَا أُبَرِّئُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ، وَأُغَرِّمُهُمْ ، قُلْتُ : فَكَيْفَ جَازَ لَكَ هَذَا ؟ قَالَ : رَوَيْنَا هَذَا عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةٌ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ فَإِنْ قِيلَ لَكَ : لَا يَجُوزُ عَلَى
عُمَرَ أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَالَ
عُمَرُ نَفْسُهُ : الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَعَّى عَلَيْهِ ، قَالَ : لَا يَجُوزُ أَنْ أَتَّهِمَ مَنْ أَثِقُ بِهِ ، وَلَكِنْ أَقُولُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةٍ وَقَوْلِ
عُمَرَ عَلَى الْخَاصِّ : قُلْتُ فَلِمَ لَمْ يَجْرِ لَنَا مِنْ سُنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَجَزْتَ لِنَفْسِكَ مِنْ
عُمَرَ ؟ قُلْتُ : وَقَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ
عُمَرَ كَتَبَ فَجَلَبَهُمْ إِلَى
مَكَةَ وَهُوَ مَسِيرَةُ
[ ص: 101 ] اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَحْلَفَهُمْ فِي الْحِجْرِ ، وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ ، فَقَالُوا : مَا وَفَتْ أَمْوَالُنَا أَيْمَانَنَا وَلَا أَيْمَانُنَا أَمْوَالَنَا ، فَقَالَ : حَقَنْتُمْ بِأَيْمَانِكُمْ دَمَاءَكُمْ ، فَخَالَفْتُمْ فِي ذَلِكَ
عُمَرَ ، فَلَا أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ بِكُلِّ حُكْمِهِ ، وَلَا تَرَكْتُمُوهُ ، وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ ، أَنَّهُ بَدَأَ فِي الْقَسَامَةِ بِالْمُدَّعِينَ ، فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925648تَبَرُّئُكُمْ يَهُودٌ بِخَمْسِينَ يَمِينًا ، وَإِذْ قَالَ تُبَرِّئُكُمْ
يَهُودُ ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ غُرْمٌ ، وَيُرْوَى عَنْ
عُمَرَ أَنَّهُ بَدَّى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، ثَمَّ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِينَ ، وَهَذَانِ جَمِيعًا يُخَالِفَانَ مَا رَوَيْتُمْ عَنْهُ ، وَقَدْ أَجَزْتُمْ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ ، وَرَدَدْتُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ، قَالَ : فَإِنَّا أَجَزْنَا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قُلْتُ : سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى يَقُولُ : مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ قُلْتُ : وَالْمُنَزَّلُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ، فَأَجَزْتَ شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، قُلْتُ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لَا إِلَّا شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَمَا الْفَرْقُ ؟ فَقُلْتُ لَهُ : أَفَتُجِيزُ الْيَوْمَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا زَعَمْتَ أَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : لَا ، لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ، قُلْتُ : بِمَاذَا ؟ قَالَ : بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قُلْتُ : فَقَدْ زَعَمْتَ بِلِسَانِكَ أَنَّكَ خَالَفْتَ الْقُرْآنَ ، إِذْ لَمْ يُجِزِ اللَّهُ إِلَّا مُسْلِمًا ، فَأَجَزْتَ كَافِرًا ، وَقَالَ لِي قَائِلٌ : إِذَا نَصَّ اللَّهُ حُكْمًا فِي كِتَابِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْهُ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ، قُلْتُ : فَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فِي كِتَابِهِ ، فَأَحْدَثَ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَنَصَّ مَا حَرَّمَ مِنَ النِّسَاءِ ، وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ ، فَقُلْتُ : لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا ، وَنَصَّ الْمَوَارِيثَ ، فَقُلْتَ : لَا يَرِثُ قَاتِلٌ وَلَا مَمْلُوكٌ وَلَا كَافِرٌ ، وَإِنْ كَانُوا وَلَدًا أَوْ وَالِدًا ، وَنَصَّ حَجْبَ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ ، فَحَجَبْتَهَا بِأَخَوَيْنِ ، وَنَصَّ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ نِصْفَ الْمَهْرِ ، وَرَفْعَ الْعِدَّةِ ، فَقُلْتُ : إِنْ خَلَا بِهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا ، فَلَهَا الْمَهْرُ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، فَهَذِهِ أَحْكَامٌ مَنْصُوصَةٌ فِي الْقُرْآنِ ، فَهَذَا عِنْدَكَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ شَيْئًا ، وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ ، " فَيَكُونُ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ ، وَكُلُّ كَلَامٍ احْتَمَلَ فِي الْقُرْآنِ مَعَانِيَ ، فَسَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ فِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِ مَعَانِيهِ ، مُوافِقَةً لَهُ لَا مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ . قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَا تَرَكْنَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ - أَكْثَرُ مِمَّا كَتَبْنَاهُ . وَبَاللَّهِ التَّوْفِيقُ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : يُرِيدُ
الشَّافِعِيُّ بِمَنْ حَكَى عَنْهُ بَعْضَ النَّاسِ ، إِمَّا
مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ فُقَهَاءِ
الْعِرَاقِ ، أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى
الشَّافِعِيِّ فِي حُكْمِهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي
[ ص: 102 ] الْأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا ، بِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ ، لَقَامَ مَقَامَهُمَا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ ، فَأَجَابَ
الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا ، وَإِنْ كُنَّا قَدْ قَدَّمْنَا مِنْ دَلَائِلِ إِثْبَاتِهِ ، وَنَفْيِهِ وَمَا أَوْضَحَ بِهِ
الشَّافِعِيُّ حِجَاجَهُ ، وَأَبْطَلَ بِهِ قَوْلَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ ، فَيَحْسُنُ تَوْضِيحُهُ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا أَغْنَى عَنْهُ ، فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لِمَنْ عَارَضَهُ بِهَذَا الرَّدِّ : " أَنَا وَإِنْ أَعْطَيْتُ بِهَا " ، يَعْنِي : بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مَا أُعْطِي بِشَاهِدَيْنِ " فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى شَاهِدٍ " يَعْنِي فَلَيْسَ مَعْنَاهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَعْنَى شَاهِدٍ ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَى شَاهِدٍ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ
الشَّافِعِيُّ فَسَادَ اعْتِرَاضِهِ ، فَقَالَ : " وَأَنْتَ تُبَرِّئُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ ، وَبِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ ، وَتُعْطِي الْمُدَّعِيَ حَقَّهُ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ كَمَا تُعْطِي بِالشَّاهِدَيْنِ ، أَفَمَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى شَاهِدَيْنِ ؟ " يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَبْرَأُ بِيَمِينِهِ كَمَا يَبْرَأُ بِشَاهِدَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَالشَّاهِدَيْنِ ، وَأَنَّهُ يُحْكَمُ لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِ صَاحِبِهِ كَمَا يُحْكَمُ لَهُ بِشَاهِدَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النُّكُولُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَالشَّاهِدَيْنِ صَحَّ ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِهِمْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ، كَذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ، وَهَذَا جَوَابٌ مُقْنِعٌ .