فصل : قال الشافعي : " وهكذا يجوز اليمين في الطلاق ، والرجعة في طلقة البتة " ، يريد به حديث ركانة ، فيما يتعلق به من الأحكام بعد أن دل على إعادة اليمين إذا قدمت على الاستحلاف ، فدل به الشافعي على حكمين :
أحدهما : وجوب اليمين في الطلاق .
[ ص: 130 ] والثاني : استحقاق الرجعة في طلقة البتة .
وقد استخرج أصحابنا منه أدلة على أحكام في ثلاثة أقسام :
أحدها : الاستحلاف ، وفيه أدلة على خمسة أحكام :
أحدهما : أن تعجل اليمين قبل الاستحلاف لا يجزئ .
والثاني : جواز الاقتصار في اليمين على إحلافه بالله من غير تغليظ بصفاته .
والثالث : جواز حذف واو القسم من اليمين ، فقد روي في بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لركانة : " الله إنك أردت واحدة ؟ " فقال : الله إني أردت واحدة .
والرابع : استحقاق اليمين في الطلاق والنكاح والرجعة إذا وقع فيه الخلاف والتنازع بخلاف ما يقوله أبو حنيفة : لا يمين في ذلك .
والخامس : استحلافه على نيته ، وإن لم تعلم إلا من جهته .
والقسم الثاني : الطلاق ، وفيه أدلة على خمسة أحكام :
أحدها : أن البتة لا تكون طلاقا ثلاثا ، بخلاف ما قاله مالك ، فإنه جعل البتة ثلاثا ، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة بإرادة ركانة .
والثاني : أن اللفظ محمول على إرادة المطلق ، فإن لم يرد به الطلاق لم يقع .
والثالث : أن يحمل على إرادته في العدد ، وأنه إن أراد طلقتين وقعتا بخلاف ما قاله أبو حنيفة ، أنه لا يقع به إلا واحدة أو ثلاثا ، ولا يقع به طلقتان ، وقد أحلف ركانة على ما أراده .
والرابع : أن طلاق الثلاثة يقع دفعة واحدة إذا أريد ، بخلاف ما قاله أهل الظاهر ومن وافقهم فمنهم من يقول ، تقع به واحدة ، ومنهم من يقول : لا يقع به الطلاق بحال .
ولو لم تقع الثلاثة ما أحلف ركانة على إرادة الواحدة .
[ ص: 131 ] والخامس : أن طلاق الثلاث ليس ببدعة ولا حرام بخلاف ما قاله أبو حنيفة : لأنه لو كان مبتدعا حراما ما أحلف ركانة عليه ، ولبينه الرسول صلى الله عليه وسلم له .
والقسم الثالث : الرجعة ، وفيه أدلة على خمسة أحكام :
أحدهما : أن الرجعة مستحقة في البتة بخلاف ما قاله أبو حنيفة أنها تكون طلقة بائنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم " أقر ركانة على زوجته " .
والثاني : استحقاق الرجعة في كل طلاق ، لم يبت .
والثالث : اختصاص الرجعة بالقول في قصة ركانة بردها عليه .
والرابع : جواز الرجعة بغير علم الزوجة ، لرجعة ركانة بغير علمها .
والخامس : جوازها بغير شهادة على أحد القولين . والله أعلم .


