فصل : والفصل الثالث : في  صفة الإشهاد على الشهادة      .  
وهو معتبر بما تحمله شاهد الأصل ، وله في صحة تحمله حالتان :  
إحداهما : أن يشاهد السبب الموجب للحق من حضوره عقد بيع أو إجارة أو نكاح يسمع فيه البذل والقبول ، أو مشاهدته لقتل أو إتلاف مال ، أو سماعه للفظ القذف ، فيصح تحمله من غير إقرار ولا استرعاء ، ويجوز أن يشهد به ، ويشهد على نفسه بمثل ما تحمله .      [ ص: 222 ] والحال الثانية : أن يشهد على الإقرار بالحق ، فهو على ضربين :  
أحدهما : أن يسمع إقرار المقر عند الحاكم وهو يقول : " لفلان علي كذا درهم " فيصح تحمل الشاهد لهذا الإقرار من غير أن يسترعيه المقر للشهادة ، ويقول " اشهد علي بهذا " ، لأن العرف في الإقرار عند الحكام أن لا يكون إلا بالحقوق الواجبة ، فاستغني بالعرف عن الاسترعاء .  
والضرب الثاني : أن لا يسمع إقراره عند غير الحاكم ، إما عند الشاهد أو عند غير الشاهد ، فقد اختلف أصحابنا في صفة التحمل للشهادة بهذا الإقرار ، هل يفتقر إلى استرعاء المقر ؟  والاسترعاء أن يقول : اشهد علي أن لفلان علي كذا فيه   وجهان : أحدهما : وهو قول  أبي إسحاق المروزي   وطائفة ، أن التحمل للشهادة لا يصح إلا بالاسترعاء بها ، فإن سمع الشاهد الإقرار من غير استرعاء لم يصح تحمله ولم يجز أن يشهد به ، لاحتمال أن يرد بذلك : علي ألف درهم أقرضك إياها ، أو أهبها لك ، فلا يلزمه ما أقر به ، فلذلك لم يصح التحمل .  
والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب  الشافعي   أن تحمل الإقرار صحيح وإن تجرد عن الاسترعاء ، والشهادة به جائزة لتعلق الحكم بالظاهر دون السرائر .  
ويجوز على هذا الوجه إذا اختبأ الشاهد حتى سمع إقرار المقر : أن لزيد علي ألفا ، والمقر غير عالم بحضور الشاهد وسماعه ، أن يتحمل هذه الشهادة ويشهد بها على المقر ، إلا أن يكون في المقر غفلة تتم بها الحيلة عليه والخداع ، فلا يصح تحمل الشهادة من المختبئ حتى يراه المقر أو يعلم به .  
وسوى  أبو حنيفة   بين ذي الغفلة وغيره في صحة تحمل المختبئ .  
والفرق بينهما أولى لتمام الحيلة على الغافل وانتفائها عن الضابط فهذان الوجهان في وجوب الاسترعاء .  
والأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن يعتبر حال الإقرار ، إن اقترن به قول أو أمارة تدل على الوجوب استغنى تحمله عن الاسترعاء ، والقول مثل أن يقول : له علي ألف درهم بحق واجب .  
والأمارة أن يحضر المقر عند الشاهد ليشهد على نفسه فيعلم شاهد الحال أنه إقرار بواجب .  
 [ ص: 223 ] وإن تجرد الإقرار عما يدل على الوجوب من قول أو أمارة ، افتقر إلى الاسترعاء ولم يصح تحمل الشهادة على إطلاقه .  
فإن أراد الشاهد أن يشهد بهذا الإقرار عند الحاكم ، لزمه أن يذكر في شهادته صفة الإقرار ، فإن كان بالاسترعاء  قال في شهادته : أشهد أنه أقر عندي وأشهدني على نفسه   ، فإن لم يقل : أشهد ، وقال : أقر عندي ، وأشهدني على نفسه كان إخبارا ولم تكن شهادة .  
فلم يجز للحاكم أن يحكم بها حتى يقول : أشهد أنه أقر عندي ، وأشهدني على نفسه ، لأن الحكم يكون بالشهادة دون الخبر .  
وإن كان  الشاهد قد حضر المقر وأقر عنده من غير استرعاء   قال في شهادته : " أشهد إنه أقر عندي بكذا " ولا يقول : " وأشهدني على نفسه " ، ليجتهد الحاكم رأيه في صحة هذا التحمل وفساده .  
وإن كان  الشاهد قد سمع إقرار المقر من غير حضور عنده   ، قال في شهادته : " أشهد إني سمعته يقر بكذا " ولا يقول : أقر " عندي " ليكون الحاكم هو المجتهد دون الشاهد .  
فإن أراد الشاهد أن يجتهد رأيه في صحة هذا التحمل وفساده نظر :  
فإن أراد الشاهد أن يجتهد رأيه في صحة الإقرار وفساده لم يجز ، وكان الحاكم أحق بهذا الاجتهاد .  
وإن أراد أن يجتهد رأيه في لزوم الأداء وسقوطه عنه ففيه وجهان :  
أحدهما : يجوز لاختصاصه بوجوب الأداء .  
والوجه الثاني : لا يجوز ، لأن في الإقرار حقا لغيره .  
				
						
						
