[ ص: 253 ] باب  الرجوع عن الشهادة   
مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله : " الرجوع عن الشهادة ضربان : فإن كانت على رجل بشيء يتلف من بدنه ، أو ينال بقطع أو قصاص ، فأخذ منه ذلك ثم رجعوا ، فقالوا عمدناه بذلك ، فهي كالجناية فيها القصاص ، واحتج في ذلك بعلي وما لم يكن من ذلك فيه القصاص أغرموه وعزروا دون الحد ، وإن قالوا لم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم العقل ، ولو قالوا أخطأنا كان عليهم الأرش " .  
قال  الماوردي      : وجملته أنه لا يخلو  رجوع الشهود في الشهادة بعد أدائها   من ثلاثة أحوال :  
أحدهما : أن يرجعوا قبل نفوذ الحكم بها .  
والثاني : أن يرجعوا بعد الحكم وقبل الاستيفاء .  
والثالث : أن يرجعوا بعد الاستيفاء .  
فأما الحالة الأولى : وهو أن يرجعوا قبل الحكم بشهادتهم ، فلا يجوز الحكم بها بعد رجوعهم ، سواء كانت الشهادة في حد لله تعالى ، أو مال لآدمي ، وهو قول جمهور الفقهاء إلا أبا ثور فإنه تفرد بإمضاء الحكم بعد رجوعهم .  
وبناه على مذهبه في إمضاء الحكم بعد حدوث فسقهم ، وهذا خطأ في المذهب والبناء .  
وأما خطؤه في المذهب ، فهو أنه لا يخلو حالهم في الشهادة والرجوع من أحد أمرين : إما أن يكونوا صادقين في الشهادة كاذبين في الرجوع ، أو كاذبين في الشهادة صادقين في الرجوع ، فوجب ردها لأمرين :  
أحدهما : الجهالة بصدق شهادتهم ، فصار كالجهالة بعدالتهم .  
والثاني : أنهم لم ينكفوا من الكذب في أحد قوليهم .  
وأما خطؤه في البناء : فهو أن الفاسق مقيم على شهادته ويجوز أن يكون فيها صادقا ، والراجع مقر أنه لم يكن في الشهادة صادقا ، فافترقا .  
 [ ص: 254 ] فإذا ثبت أنه لا يحكم بشهادتهم ، نظر في الشهادة بعد رجوعهم عنها ، فإنهم فيها على ثلاثة أحوال :  
أحدهما : أن يعمدوها ، فيكون قدحا في عدالتهم وموجبا لفسقهم ، ويعزروا ، لأنهم عمدوا الشهادة بالزور .  
والثاني : أن لا يتعمدوها ، ولكن سهوا فيها ، فيكون ذلك قدحا في ضبطهم لا في عدالتهم ، فوجب التوقف في شهادتهم إلا فيما تحققوه وأحاطوا به علما .  
والثالث : أن لا يكون ذلك بعمد ولا بسهو ، ولكن بشبهة اعترضتهم يجوز مثلها على أهل التيقظ والعدالة ، فهم على عدالتهم وضبطهم ، لا يقدح ذلك في واحد منهم ، فتقبل شهادتهم في غير ما رجعوا عنه ، فإن التمس المشهود له يمين الشهود على صحة رجوعهم لم يكن له إحلافهم ، لأن حقه على غيرهم ، ولو ادعى المشهود له أن الشهود قد رجعوا وأنكروا الرجوع ، لم يكن له إحلافهم ، لأنه لا خصومة بينه وبينهم .  
وهكذا لو ادعى عليهم أنهم علموا أني برئت مما شهدوا به ، وقد شهدوا مع علمهم أنه بريء منه وطلب يمينهم لم يحلفوا عليه .  
ولو أحضر المشهود عليه بينة تشهد على الشهود برجوعهم ، قبلت ، وحكم عليهم بالرجوع ، وبطلت شهادتهم على المشهود عليه ، ولا ضمان عليهم للمشهود له ، وقال الحسن بن زياد اللؤلؤي : يضمنون للمشهود له ما شهدوا به من حقه ، وهذا خطأ ، لأن حقه باق على المشهود عليه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					