فصل : فإذا صح ما ذكرنا من مقدمات هذا الباب ،  فالدعوى الصحيحة ممنوعة من كل جائز الأمر فيما يدعيه ، على كل جائز الأمر ، فيما يدعى عليه   سواء عرف بينهما معاملة ، أو لم يعرف ، ويعديه الحاكم إذا استعداه وإن جل قدر المدعى عليه وتصون ، وقال  مالك   لا يعديه على أهل الصيانة ، فلا يستحضره الحاكم ، إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ، لئلا يستبذل أهل الصيانات ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "  أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم     " وهذا ليس بصحيح لقول الله تعالى :  ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله   فأمره بالتسوية وترك الميل .  
وقال  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه في عهده إلى  أبي موسى      : آس بين الناس في وجهك ، وعدلك ، ومجلسك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف في عدلك .  
وقد  احتكم  علي بن أبي طالب   عليه السلام ويهودي إلى  شريح   في حال خلافته فلم يمتنع أن يساوي في المحاكمة بين اليهودي ، وبين نفسه  ، ولأن  خمول المدعي لا يمنع أن يكون ذا حق ، وصيانة المدعى عليه لا يمنع أن يكون عليه حق      .  
ولأن المعاملة لا تدل على بقاء الحق ، وعدمها لا يمنع من حدوث الحق ، فلم يكن لاعتبارها في الدعاوى وجه . والذي يجوز أن يستعمله الحاكم في تحاكم أهل الصيانة أن يميزهم عن مجالس العامة ، ويفرد لمحاكمتهم مجلسا خاصا يصانون به ، عن بذلة العامة ، يجمع فيه بينهم ، وبين خصومهم ، فلا ترد فيه الدعوى ولا تبتذل فيه الصيانة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					