الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا وجد وادعاه من يجوز أن يولد مثله لمثله ، لحقه به ، فإن ادعاه بعده آخر ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن دعواه مردودة للحوق نسبه بالسابق ، إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الظاهر في مذهب الشافعي أن دعوى الناس مسموعة ويرى القافة ، فإن نفوه عن الثاني ، كان على لحوقه بالأول وإن ألحقوه بالثاني أري مع الأول ، فإن نفوه عنه لحق بالثالث ، وإن ألحقوه به لم يأت بالقافة بيان ، لأنهم قد ألحقوه بهما ، ووقف الولد إلى حد الانتساب لينتسب إلى أحدهما ، فإن اجتمع جماعة في ادعاء اللقيط ، وهو في يد أحدهم ، فصاحب اليد كالسابق بالدعوى ، فيكون على الوجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 395 ] أحدهما : يلحق به إلا أن تلحقه القافة بغيره .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن في الدعوى بغيره لا يلحق بواحد منهم إلا أن تلحقه القافة ، أو يعترف له الباقي بنسبه ، أو يبلغ حد الانتساب فينتسب إليه ، فإن مات الولد مع بقاء الانتساب ، فقبل الانتساب وقف من ماله ميراثا حتى يصطلح المدعون عليه ، وإن مات المدعون أو بعضهم ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، أنه يوقف من قال كل واحد منهم ميراث أب ، كما يوقف من ماله إذا مات ميراث أب حتى ينتسب بعد بلوغه حد الانتساب ، فيستحق ميراث من انتسب إليه ويرد ما وقف من الباقين على ورثتهم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يوقف له من أموالهم شيء ، ويدفع مال كل واحد إلى ورثته ، والله أعلم .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو ادعى حر وعبد مسلمان وذمي مولودا وجد لقيطا فلا فرق بين واحد منهم ، كالتداعي فيما سواه ، فيراه القافة فإن ألحقوه بواحد ، فهو ابنه ، وإن ألحقوه بأكثر لم يكن ابن واحد منهم ، يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء فيكون ابنه وتنقطع عنه دعوى غيره " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح يستوي إذا ادعى الولد ، الحر والعبد والمسلم ، والكافر لقيطا أو من فراش مشترك ، وليس بمشترك .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة الإمام رحمه الله : إذا تنازع حر وعبد ألحقته بالحر دون العبد .

                                                                                                                                            وإن تنازع مسلم وكافر ، ألحقته بالمسلم دون الكافر ، ولو تنازع حر كافر وعبد مسلم ، ألحقته بالحر الكافر ، دون العبد المسلم ، ليكون الولد ملحقا بأكملهما حكما .

                                                                                                                                            استدلالا بأن الغالب من دار الإسلام الحرية والإسلام ، فصارت كاليد لمن واقعها ، فترجح بها .

                                                                                                                                            ولأنهما لو تنازعا حضانته كان الحر المسلم أحق بها من العبد الكافر ، كذلك حكم النسب ودليلنا هو أنهما قد اشتركا في سبب الدعوى ، فوجب أن يشتركا في حكمهما ، كالمسلمين الحرين .

                                                                                                                                            ولأنه لو انفرد بالدعوى عبد أو كافر كان فيها كالمسلم ، ولا يدفع عنها بحكم الدار ، كذلك إذا اجتمع مع الحر ، أو المسلم ، كالمال ، وفيه انفصال .

                                                                                                                                            فأما الحضانة ففيها ولاية ، لو تفرد بها كافر وعبد لم يستحقها وليس كالنسب الذى يلحق بالعبد ، والكافر .

                                                                                                                                            [ ص: 396 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية