الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا سفيان بن وكيع ، ومحمد بن بشار ) : تقدم ذكرهما . ( المعنى واحد ) : جملة معترضة لا حال حتى يلزم كونه ضعيفا لعدم الواو . ( قالا : أخبرنا ) : وفي بعض النسخ " حدثنا " . ( يزيد ) : مضارع الزيادة . ( بن هارون ) : أي السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ، متقن عابد ، أخرج حديثه الأئمة الستة ، وهو أحد الأئمة المشهورين بالحديث والفقه ، سمع كثيرين من التابعين وتبعهم ، قال يحيى بن أبي طالب : سمعت يزيد بن هارون في مجلسه ببغداد ، وكان يقال أن في المجلس سبعين ألفا . ( عن سعيد الجريري ) : بضم الجيم وفتح الراء ، نسبة إلى أحد آبائه ، قال أحمد : هو محدث أهل البصرة . وقال أبو حاتم : تغير حفظه قبل موته بثلاث سنين ، وهو حسن الحديث روى عنه الأئمة الستة . ( قال سمعت أبا الطفيل ) : بالتصغير ، اسمه عامر بن واثلة الليثي ، أدرك من زمن حياته صلى الله عليه وسلم ثمان سنين وتأخرت وفاته إلى سنة مائة وثنتين ولم يبق على وجه الأرض صحابي غيره ، وزعم أن معمرا المغربي ورتن الهندي صحابيان عاشا إلى قريب القرن السابع ليس بصحيح خلافا لمن انتصر له وأطال بما لا يجدي ، كذا ذكره ابن حجر ، وقال العصام : وهو آخر من مات من الصحابة ، وفاته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة على وفق إخباره صلى الله عليه وسلم أنه لا يبقى على رأس المائة على وجه الأرض من كان في زمانه وقيل مراده أصحابه . ( يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما بقي ) : عطف على قوله [ ص: 65 ] " رأيت " ، وجعله حالا غير جيد لفساد المعنى كما هو ظاهر وإن أطنب الحنفي في تصحيحه . ( على وجه الأرض ) : احترز به عن عيسى عليه السلام ; فإنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في السماء ، قيل : وعن الخضر ; فإنه كان حينئذ على وجه الماء في البحر . ( أحد ) : أي من البشر وهو المتبادر فلا يشكل بالملك والجن أو المراد من أصحابه . ( رآه غيري ) : صفة لأحد لعدم كسبه التعريف بالإضافة أو بدل أو مستثنى ، والمعنى : أنه أحق بأن يسأل عن وصفه صلى الله عليه وسلم لانحصار الأمر فيه ، فالمقصود منه حث المخاطب على استيصافه النبي صلى الله عليه وسلم ولذا قال سعيد راويه . ( قلت صفه لي ) : أي بينه لأجلي . ( قال كان أبيض مليحا ) : يقال : ملح الشيء بالضم يملح ملوحة وملاحة أي حسن فهو مليح وملاح بالضم والتخفيف ، وهو مجاز مأخوذ من الملح ، وقد مر أنه كان أزهر اللون مشربا بحمرة وهذا غاية الملاحة والحسن ، وقيل : الملاحة بمعنى الصباحة وهي قدر زائد على حسن اللون من البدن . ( مقصدا ) : بضم ميم وتشديد صاد مهملة مفتوحة ، وفي مختصر النهاية : وكان صلى الله عليه وسلم أبيض معصدا أي بالعين بدل القاف كذا رواه ابن معين وهو الموثق الخلق ، وروي : " معضلا " بمعناه والمحفوظ مقصدا ، انتهى . ومنه قوله تعالى : ( واقصد في مشيك ) : أي توسط فيه وهو الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم ولا نحيف . ( صلوات الله ) : وفي نسخة " وسلامه " . ( عليه ) : قال ميرك : وهذا الحديث صريح في أنه آخر من مات في الدنيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة على الصحيح وهو الموافق للحديث المخرج في الصحيح : أنه قال صلى الله عليه وسلم في آخر حياته قبل موته بشهر " ما على الأرض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي حية " ، وفي رواية : صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال : " أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " . ومع ذلك فالعجب ممن اعتبر الأخبار الرتنية والنسطورية وغيرهما من الأكاذيب الباطلة وابتهج بهذا القرب المزيف والعلو الموهوم المزخرف حتى صار أضحوكة عند النقادين من أهل هذا الشأن ، قال العصام : والذي يشكل فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الطفيل وجود الخضر عليه السلام ، فإنه اتفقت كلمة أهل التصديق على وجوده ولا يمكن أن ينكر ، والجواب أن الخضر عليه السلام كان على وجه الماء حين إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو مستثنى لا ينفع لأن الخبر أن لا يبقى على وجه الأرض من كان في زمانه لا أنه لا يبقى ممن على وجه الأرض ولأنه بهذا التأويل ينفتح باب صدق من يدعي الصحبة بأن يقال لم يكن حين إخبار النبي على [ ص: 66 ] وجه الأرض ، انتهى . ويمكن دفعه بأنه مشهور بكونه غالبا على وجه الماء بخلاف غيره وبأنه وعيسى عليهما السلام معروفان بأنهما من المعمرين وبأنه قد يقال أنه ليس من أهل زمانه أيضا فإنه من المتقدمين ممن أدرك موسى عليه السلام فهو في المعنى نحو عيسى عليه السلام كالمستثنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية