[ ص: 433 - 434 ] ( كتاب السير )
السير جمع سيرة ، وهي الطريقة في الأمور ، وفي الشرع تختص بسير النبي عليه الصلاة والسلام في مغازيه .
كتاب السير
التالي
السابق
( كتاب السير )
أورد الجهاد عقيب الحدود ; لأنه بعد أن ناسبها بوجهين باتحاد المقصود من كل منها ومن مضمون هذا الكتاب ، وهو إخلاء العالم من الفساد ، وبكون كل منهما حسن لحسن غيره ، وذلك الغير ، وهو إعلاء كلمة الله تعالى يتأدى بفعل نفس المأمور به ، وهو القتال وجب تأخيره عنها لوجهين : كون الفساد المطلوب الإخلاء عنه بالجهاد أعظم كل فساد وأقبحه ، والعادة في التعاليم الشروع فيها على وجه الترقي من الأدنى إلى ما هو أعلى منه ، وكونه معاملة مع الكفار ، والحدود معاملة مع المسلمين ، وتقديم ما يتعلق بالمسلمين أولى . ولا يخفى أن له مناسبة خاصة بالعبادات ، فلذا أورده بعض الناس عقيبها قبل النكاح لأنه عبادة محضة بخلاف النكاح ( والسير جمع سيرة ) [ ص: 435 ] وهي فعلة بكسر الفاء من السير فيكون لبيان هيئة السير وحالته ; لأن فعلة للهيئة كجلسة وخمرة ، وقد استعملت كذلك في السير المعنوي حيث قالوا في : سار فينا بسيرة العمرين ، لكن غلب في لسان أهل الشرع على الطرائق المأمور بها في غزو الكفار ، وكان سبب ذلك كونها تستلزم السير وقطع المسافة . وقد يقال كتاب الجهاد ، وهو أيضا أعم غلب في عرفهم على جهاد الكفار ، وهو دعوتهم إلى الدين الحق ، وقتالهم إن لم يقبلوا ، وفي غير كتب الفقه يقال : كتاب المغازي ، وهو أيضا أعم ، جمع مغزاة مصدرا سماعيا لغزا دالا على الوحدة ، والقياسي غزو وغزوة للوحدة كضربة وضرب وهو قصد العدو للقتال خص في عرفهم بقتال الكفار . عمر بن عبد العزيز
هذا وفضل الجهاد عظيم ، وكيف لا وحاصله بذل أعز المحبوبات وإدخال أعظم المشقات عليه وهو نفس الإنسان ابتغاء مرضاة الله تعالى وتقربا بذلك إليه سبحانه وتعالى ، وأشق منه قصر النفس على الطاعات في النشاط والكسل على الدوام ومجانبة أهويتها ، ولذا { قال عليه الصلاة والسلام وقد رجع من مغزاة رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر } ويدل على هذا أنه عليه الصلاة والسلام أخره في الفضيلة عن الصلاة على وقتها في حديث { قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة على ميقاتها ، قلت : ثم أي ؟ قال بر الوالدين ، قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، ولو استزدته لزادني ابن مسعود } رواه . البخاري
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم جعله أفضل بعد الإيمان في حديث قال { أبي هريرة } متفق عليه . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور
وهذه وإن كانت صورة معارضة لكن الجمع بينهما بحمل كل على ما يليق بحال السائل ، فإذا كان السائل يليق به الجهاد لما علمه من تهيئته له واستعداده زيادة على غيره كان الجهاد بالنسبة إليه أفضل ممن ليس مثله في الجلادة والغناء ، وفيه نظر لأن المذكور في الحديث السابق الصلاة على وقتها وتلك هي الفرائض ، وفي هذا لا يتردد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة وأخذ النفس بها في أوقاتها على ما هو المراد من قوله الصلاة على ميقاتها أفضل من الجهاد . ولأن هذه فرض عين وتتكرر والجهاد ليس كذلك ، ولأن افتراض الجهاد ليس إلا للإيمان وإقامة الصلاة فكان مقصودا وحسنا لغيره ، بخلاف الصلاة حسنة لعينها وهي المقصود منه على ما صرح به عليه الصلاة والسلام في حديث ، وفيه طول إلى أن قال { معاذ محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله } صححه والذي نفس الترمذي ، وإذ لا شك في هذا عندنا وجب أن يعتبر كل من الصلاة والزكاة مرادة بلفظ الإيمان في حديث ، ويكون من عموم المجاز أو يرجح بزيادة فقه الراوي وهو أبي هريرة رضي الله عنه وبما عضده من الأحاديث السابقة . ابن مسعود
والحق أنه ليس فيه معارضة لأنه لم يذكر الصلاة فيه أصلا ، فإنما فيه أنه جهل الجهاد بعد الإيمان وهو يصدق إذا كان بعد الصلاة ، وهي قبله بعد الإيمان فلا معارضة إلا إذا نظرنا إلى المقصود .
ومن الأحاديث في ذلك ما عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عمران بن حصين } رواه مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة وقال : على شرط الحاكم . البخاري
وعن { أبي هريرة } [ ص: 436 ] متفق عليه . وعن قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال : لا تستطيعونه ، فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعونه ، ثم قال : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر عن صلاته ولا صيامه حتى يرجع المجاهد في سبيل الله رضي الله عنه ، عنه عليه الصلاة والسلام { أبي هريرة } رواه من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة . ومن توابع الجهاد الرباط ، وهو الإقامة في مكان يتوقع هجوم العدو فيه لقصد دفع لله تعالى . والأحاديث في فضله كثيرة : منها ما في صحيح البخاري من حديث مسلم سلمان رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { } رواه رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه أجرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ، زاد مسلم { الطبراني } وروى وبعث يوم القيامة شهيدا بسند ثقات في حديث مرفوع { الطبراني } ولفظ من مات مرابطا أمن من الفزع الأكبر بسند صحيح عن ابن ماجه { أبي هريرة } وعن وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع أبي أمامة عنه عليه الصلاة والسلام قال { إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة ، ونفقته الدينار ، والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره } هذا ، واختلف المشايخ في فإنه لا يتحقق في كل مكان ففي النوازل أن يكون في موضع لا يكون وراءه إسلام لأن ما دونه لو كان رباطا فكل المسلمين في بلادهم مرابطون . المحل الذي يتحقق فيه الرباط
وقال بعضهم : إذا أغار العدو على موضع مرة يكون ذلك الموضع رباطا إلى أربعين سنة ، وإذا أغاروا مرتين يكون رباطا إلى مائة وعشرين سنة ، وإذا أغاروا ثلاث مرات يكون رباطا إلى يوم القيامة .
قال في الفتاوى الكبرى : والمختار هو الأول . واعلم أن ما ذكر من كون محل الرباط ما وراء المسلمين ذكر في حديث عن معاذ بن أنس عنه عليه الصلاة والسلام { من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تبارك وتعالى متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم ، فإن الله يقول { وإن منكم إلا واردها } } رواه أبو يعلى . وفيه لين محتمل في المتابعات ، وليس يستلزم كون ذلك باعتبار المكان ، فقد وردت أحاديث كثيرة ليس فيها سوى الحراسة في سبيل الله . ولنختم هذه المقدمة بحديث عن البخاري عنه عليه الصلاة والسلام قال { أبي هريرة } زاد في رواية { تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة } وعبد القطيفة ، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش ، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع
أورد الجهاد عقيب الحدود ; لأنه بعد أن ناسبها بوجهين باتحاد المقصود من كل منها ومن مضمون هذا الكتاب ، وهو إخلاء العالم من الفساد ، وبكون كل منهما حسن لحسن غيره ، وذلك الغير ، وهو إعلاء كلمة الله تعالى يتأدى بفعل نفس المأمور به ، وهو القتال وجب تأخيره عنها لوجهين : كون الفساد المطلوب الإخلاء عنه بالجهاد أعظم كل فساد وأقبحه ، والعادة في التعاليم الشروع فيها على وجه الترقي من الأدنى إلى ما هو أعلى منه ، وكونه معاملة مع الكفار ، والحدود معاملة مع المسلمين ، وتقديم ما يتعلق بالمسلمين أولى . ولا يخفى أن له مناسبة خاصة بالعبادات ، فلذا أورده بعض الناس عقيبها قبل النكاح لأنه عبادة محضة بخلاف النكاح ( والسير جمع سيرة ) [ ص: 435 ] وهي فعلة بكسر الفاء من السير فيكون لبيان هيئة السير وحالته ; لأن فعلة للهيئة كجلسة وخمرة ، وقد استعملت كذلك في السير المعنوي حيث قالوا في : سار فينا بسيرة العمرين ، لكن غلب في لسان أهل الشرع على الطرائق المأمور بها في غزو الكفار ، وكان سبب ذلك كونها تستلزم السير وقطع المسافة . وقد يقال كتاب الجهاد ، وهو أيضا أعم غلب في عرفهم على جهاد الكفار ، وهو دعوتهم إلى الدين الحق ، وقتالهم إن لم يقبلوا ، وفي غير كتب الفقه يقال : كتاب المغازي ، وهو أيضا أعم ، جمع مغزاة مصدرا سماعيا لغزا دالا على الوحدة ، والقياسي غزو وغزوة للوحدة كضربة وضرب وهو قصد العدو للقتال خص في عرفهم بقتال الكفار . عمر بن عبد العزيز
هذا وفضل الجهاد عظيم ، وكيف لا وحاصله بذل أعز المحبوبات وإدخال أعظم المشقات عليه وهو نفس الإنسان ابتغاء مرضاة الله تعالى وتقربا بذلك إليه سبحانه وتعالى ، وأشق منه قصر النفس على الطاعات في النشاط والكسل على الدوام ومجانبة أهويتها ، ولذا { قال عليه الصلاة والسلام وقد رجع من مغزاة رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر } ويدل على هذا أنه عليه الصلاة والسلام أخره في الفضيلة عن الصلاة على وقتها في حديث { قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة على ميقاتها ، قلت : ثم أي ؟ قال بر الوالدين ، قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، ولو استزدته لزادني ابن مسعود } رواه . البخاري
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم جعله أفضل بعد الإيمان في حديث قال { أبي هريرة } متفق عليه . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور
وهذه وإن كانت صورة معارضة لكن الجمع بينهما بحمل كل على ما يليق بحال السائل ، فإذا كان السائل يليق به الجهاد لما علمه من تهيئته له واستعداده زيادة على غيره كان الجهاد بالنسبة إليه أفضل ممن ليس مثله في الجلادة والغناء ، وفيه نظر لأن المذكور في الحديث السابق الصلاة على وقتها وتلك هي الفرائض ، وفي هذا لا يتردد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة وأخذ النفس بها في أوقاتها على ما هو المراد من قوله الصلاة على ميقاتها أفضل من الجهاد . ولأن هذه فرض عين وتتكرر والجهاد ليس كذلك ، ولأن افتراض الجهاد ليس إلا للإيمان وإقامة الصلاة فكان مقصودا وحسنا لغيره ، بخلاف الصلاة حسنة لعينها وهي المقصود منه على ما صرح به عليه الصلاة والسلام في حديث ، وفيه طول إلى أن قال { معاذ محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله } صححه والذي نفس الترمذي ، وإذ لا شك في هذا عندنا وجب أن يعتبر كل من الصلاة والزكاة مرادة بلفظ الإيمان في حديث ، ويكون من عموم المجاز أو يرجح بزيادة فقه الراوي وهو أبي هريرة رضي الله عنه وبما عضده من الأحاديث السابقة . ابن مسعود
والحق أنه ليس فيه معارضة لأنه لم يذكر الصلاة فيه أصلا ، فإنما فيه أنه جهل الجهاد بعد الإيمان وهو يصدق إذا كان بعد الصلاة ، وهي قبله بعد الإيمان فلا معارضة إلا إذا نظرنا إلى المقصود .
ومن الأحاديث في ذلك ما عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عمران بن حصين } رواه مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة وقال : على شرط الحاكم . البخاري
وعن { أبي هريرة } [ ص: 436 ] متفق عليه . وعن قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال : لا تستطيعونه ، فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعونه ، ثم قال : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر عن صلاته ولا صيامه حتى يرجع المجاهد في سبيل الله رضي الله عنه ، عنه عليه الصلاة والسلام { أبي هريرة } رواه من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة . ومن توابع الجهاد الرباط ، وهو الإقامة في مكان يتوقع هجوم العدو فيه لقصد دفع لله تعالى . والأحاديث في فضله كثيرة : منها ما في صحيح البخاري من حديث مسلم سلمان رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { } رواه رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه أجرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ، زاد مسلم { الطبراني } وروى وبعث يوم القيامة شهيدا بسند ثقات في حديث مرفوع { الطبراني } ولفظ من مات مرابطا أمن من الفزع الأكبر بسند صحيح عن ابن ماجه { أبي هريرة } وعن وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع أبي أمامة عنه عليه الصلاة والسلام قال { إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة ، ونفقته الدينار ، والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره } هذا ، واختلف المشايخ في فإنه لا يتحقق في كل مكان ففي النوازل أن يكون في موضع لا يكون وراءه إسلام لأن ما دونه لو كان رباطا فكل المسلمين في بلادهم مرابطون . المحل الذي يتحقق فيه الرباط
وقال بعضهم : إذا أغار العدو على موضع مرة يكون ذلك الموضع رباطا إلى أربعين سنة ، وإذا أغاروا مرتين يكون رباطا إلى مائة وعشرين سنة ، وإذا أغاروا ثلاث مرات يكون رباطا إلى يوم القيامة .
قال في الفتاوى الكبرى : والمختار هو الأول . واعلم أن ما ذكر من كون محل الرباط ما وراء المسلمين ذكر في حديث عن معاذ بن أنس عنه عليه الصلاة والسلام { من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تبارك وتعالى متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم ، فإن الله يقول { وإن منكم إلا واردها } } رواه أبو يعلى . وفيه لين محتمل في المتابعات ، وليس يستلزم كون ذلك باعتبار المكان ، فقد وردت أحاديث كثيرة ليس فيها سوى الحراسة في سبيل الله . ولنختم هذه المقدمة بحديث عن البخاري عنه عليه الصلاة والسلام قال { أبي هريرة } زاد في رواية { تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة } وعبد القطيفة ، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش ، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع