الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم محرم منه لم يقطع ) فالأول وهو الولاد للبسوطة في المال وفي [ ص: 381 ] الدخول في الحرز . والثاني للمعنى الثاني ، ولهذا أباح الشرع النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها ، بخلاف الصديقين لأنه عاداه بالسرقة . وفي الثاني خلاف الشافعي رحمه الله لأنه ألحقها بالقرابة البعيدة ، وقد بيناه في العتاق ( ولو سرق من بيت ذي رحم محرم متاع غيره ينبغي أن لا يقطع ، ولو سرق ماله من بيت غيره يقطع ) اعتبارا للحرز وعدمه [ ص: 382 ] ( وإن سرق من أمه من الرضاعة قطع ) وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يقطع لأنه يدخل عليها من غير استئذان وحشمة ، بخلاف الأخت من الرضاع لانعدام هذا المعنى فيها عادة . وجه الظاهر أنه لا قرابة والمحرمية بدونها لا تحترم كما إذا ثبتت بالزنا والتقبيل عن شهوة ، وأقرب من ذلك الأخت من الرضاعة ، وهذا لأن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوطة تحرزا عن موقف التهمة بخلاف النسب .

التالي السابق


( قوله ومن سرق من أبويه ) وإن عليا ( أو ولده ) وإن سفل ( أو ذي رحم محرم منه ) كالأخ والأخت والعم والخال والخالة والعمة ( لا يقطع ) [ ص: 381 ] وقال مالك وشذوذ : يقطع بالسرقة من الأبوين لأنه لا حق له في مالهما ، ولذا يحد بالزنا بجاريتهما ويقتل بقتلهما وبه يبطل قوله في الكافي ، أما في الولاد فلا اختلاف فيه . وقال أبو ثور وابن المنذر : يقطع الأب أيضا في سرقة مال ابنه لظاهر الآية . وقال الشافعي : يقطع في السرقة من غير الولاد . أما وجه الأول : أي عدم القطع في قرابة الولاد فلأنها عادة تكون معها البسوطة في المال والإذن في الدخول في الحرز حتى يعد كل منهما بمنزلة الآخر ولذا منعت شهادته له شرعا ، ويخص سرقة الأب من مال الابن قوله عليه الصلاة والسلام { أنت ومالك لأبيك } وأما غير الولاد وهو الذي أراد المصنف بقوله ( والثاني للمعنى الثاني ) أي الإذن في الدخول في الحرز فألحقهم الشافعي رحمه الله بالقرابة البعيدة .

قال المصنف ( وقد بيناه في العتاق ) أي في مسألة " من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه " ونحن ألحقناه بقرابة الولاد ، وقد رأينا الشرع ألحقهم بهم في إثبات الحرمة وافتراض الوصل ، فلذا ألحقناهم بهم في عدم القطع بالسرقة ووجوب النفقة ، ولأن الإذن بين هؤلاء ثابت عادة للزيارة وصلة الرحم ولذا حل النظر منها إلى مواضع الزينة الظاهرة والباطنة كالعضد للدملوج والصدر للقلادة والساق للخلخال . وما ذاك إلا للزوم الحرج لو وجب سترها عنه مع كثرة الدخول عليها وهي مزاولة الأعمال وعدم احتشام أحدهما من الآخر . وأيضا فهذه الرحم المحرمة يفترض وصلها ويحرم قطعها ، وبالقطع يحصل القطع فوجب صونها بدرئه ذكره في الكافي وسيأتي ما فيه .

ومما يدل على نقصان الحرز فيها قوله تعالى { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم } ورفع الجناح عن الأكل من بيوت الأعمام أو العمات مطلقا يؤنس إطلاق الدخول . ولو سلم فإطلاق الأكل مطلقا يمنع قطع القريب ، ثم هو إن ترك لقيام دليل المنع بقيت شبهة الإباحة على وزان ما قلنا في { أنت ومالك لأبيك } . فإن قلت : فقد قال { أو صديقكم } كما قال { أو بيوت أخوالكم } والحال أنه يقطع بالسرقة من صديقه . أجيب بأنه لما قصد سرقة ماله فقد عاداه فلم يقطع الآخذ إلا في حال العداوة ( ولو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره لا يقطع ، ولو سرق مال ذي الرحم المحرم من بيت غيره يقطع اعتبارا للحرز وعدمه ) فسرقة مال الغير من بيت ذي الرحم المحرم سرقة من غير حرز ، وسرقة مال ذي الرحم من بيت [ ص: 382 ] غيره سرقة من حرز فيقطع ، وهذا يعكر على الوجه الذي قدمناه من أن في القطع القطيعة فيندرئ وهو الموعود ، ولذا والله أعلم لم يعرج المصنف عليه .

( قوله وإن سرق من أمه من الرضاعة قطع ) وهو قول أكثر العلماء ( وعن أبي يوسف لا يقطع لأنه يدخل عليها من غير استئذان وحشمة بخلاف الأخت من الرضاع لانعدام هذا المعنى فيها عادة ) ولذا يقطع بالسرقة منها اتفاقا ، وكذا الأب من الرضاعة . ( وجه الظاهر أنه لا قرابة بينهما والمحرمية بدون القرابة لا تحترم كما إذا ثبتت المحرمية بالزنا ) بأن زنى بامرأة تحرم عليه أمها وبنتها ويقطع بالسرقة منهما ( وأقرب من ذلك الأخت من الرضاعة ) فإن فيها محرمية بلا قرابة مع اتحاد سبب المحرمية فيهما ، فالإلحاق بها في إثبات القطع أولى منه بالإلحاق بالمحرمية الثابتة بالوطء ، ثم تعرض المصنف لإبطال الوجه المذكور لأبي يوسف صريحا وهو قوله لأنه يدخل عليها إلخ بقوله ( وهذا لأن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوطة تحرزا عن موقف التهمة بخلاف النسب ) فإنه يشتهر بلا تحشم ولا تهمة ، وهذا يتضمن منع قوله إنه يدخل عليها من غير استئذان إلخ ، فقال : لا نسلم ذلك إلا لو لم يكن مستلزما تهمة لكنه يستلزمها لعدم الشهرة فيتهم فلا يدخل بلا استئذان ، بخلاف النسب فإنه يشتهر فلا ينكر دخوله ، فلذا قطع في سرقة مال أمه من الرضاعة ولم يقطع في سرقة مال أمه من النسب .




الخدمات العلمية