الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1815 [ 954 ] ومن حديث جابر ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الشهر يكون تسعا وعشرين ، ثم طبق النبي -صلى الله عليه وسلم- بيديه ثلاثا مرتين ، بأصابع يديه كلها ، والثالثة بتسع منها .

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 329)، ومسلم (1084) (24) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) ; أي : لم نكلف في تعرف مواقيت صومنا ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة ، وإنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة ، وأمور ظاهرة ، يستوي في معرفة ذلك الحساب وغيرهم . ثم تمم هذا المعنى وكمله حيث بينه بإشارته بيديه ، ولم يتلفظ بعبارة عنه نزولا إلى ما يفهمه الخرص والعجم . وحصل من إشارته بيديه ثلاث مرات : أن الشهر يكون ثلاثين ، ومن خنسه إبهامه في الثالثة : أن الشهر يكون تسعا وعشرين ; كما قد نص عليه في الحديث الآخر .

                                                                                              وعلى هذا الحديث : من نذر أن يصوم شهرا غير معين ; فله أن يصوم تسعا وعشرين ; لأن ذلك يقال عليه : شهر ، كما أن من نذر صلاة أجزأه من ذلك ركعتان ; لأنه أقل ما يصدق عليه الاسم . وكذلك من نذر صوما فصام يوما أجزأه . وهو خلاف ما ذهب إليه مالك . فإنه قال : لا يجزئه إذا صامه بالأيام إلا ثلاثون يوما ; فإن صامه بالهلال فعلى ما يكون ذلك الشهر من رؤية هلاله .

                                                                                              [ ص: 140 ] وفيه من الفقه : أن يوم الشك محكوم له بأنه من شعبان ، وأنه لا يجوز صومه عن رمضان ; لأنه علق صوم رمضان بالرؤية ، ولم فلا .

                                                                                              وقول عائشة : ( لما مضت تسع وعشرون ليلة ) ; هذا الحديث هو جزء من حديث طويل يتضمن : أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرن عليه ، وطالبنه بتوسعة النفقة ، واجتمعن في ذلك ، وخضن فيه ، فوجد عليهن ، فأدبهن بأن أقسم ألا يدخل عليهن شهرا ، فاعتزلهن في غرفة تسعا وعشرين ، فدخل عليه عمر فكلمه في ذلك ، وتلطف فيه ، إلى أن زالت موجدته عليهن ، وأنزل الله آية التخيير ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة ثلاثين ، فبدأ بعائشة ، فذكرته بمقتضى يمينه ، وأنه أقسم على شهر ظانة أن الشهر لا يكون أقل من ثلاثين ، فبين لها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الشهر يكون تسعا وعشرين ، وظاهره : أنه اعتزلهن في أول ليلة من ذلك الشهر ، وأن ذلك الشهر كان تسعا وعشرين ، ويشهد له قوله : ( إن الشهر تسع وعشرون ) ; أي : هذا الشهر ; لأنه هو المتكلم فيه . ويحتمل أن يكون اعتبر أول زمان اعتزاله بالأيام ، وكمل تسعا وعشرين بالعدد ، واكتفى بأقل ما ينطلق عليه اسم الشهر . وعليه يخرج الخلاف فيمن نذر صوم شهر غير معين ، فصامه بالعدد ; فهل يصوم ثلاثين ؟ أو [ ص: 141 ] يكفيه تسع وعشرون كما تقدم ؟ وإخبار عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدد تلك الليالي ، يفهم منه : أنها اعتبرت ذلك الشهر بالعدد ، واعتناؤها بعدد الأيام استطالة لزمان الهجر ، وذلك يدل على فرط محبتها ، وشدة شوقها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه كان عندها من ذلك ما لم يكن عند غيرها ، وبذلك استوجبت أن تكون أحب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه ، كما قد صرح به - صلى الله عليه وسلم - حيث قيل له : من أحب الناس إليك ؟ فقال : ( عائشة ) .




                                                                                              الخدمات العلمية