الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها :

[خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر ]

خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر . وهذا رجل أموي من ولد هشام بن عبد الملك [واسمه الوليد ] ، وإنما كني بأبي ركوة لركوة كانت معه في أسفاره يحملها على مذهب الصوفية ، وكان قد لقي الشيوخ وكتب الحديث بمصر وانتقل إلى مكة ثم إلى اليمن ثم عاد إلى الشام ، وهو في خلال أسفاره يدعو إلى القائم من ولد هشام بن عبد الملك ، ويأخذ البيعة على من يجد عنده انقيادا وقبولا ، ثم نزل حلة وصار معلما واجتمع عنده صبيان العرب وتظاهر بالتنسك ودعا جماعة منهم فوافقوه ، ثم أعلمهم أنه هو الإمام الذي يدعو إليه ، وقد أمر بالظهور ووعد بالنصر فخاطبوه بالإمامة ، ولقب نفسه الثائر بأمر الله المنتصر لدين الله من أعداء الله ، وعرف هذا بعض الولاة فكتب إلى الحاكم يستأذنه في طلبه قبل أن تقوى شوكته ، فأمره باطراح الفكر في أمره لئلا يجعل له سوقا ، وكان يخبر عن الغائبات ، فيقول أنه يكون كذا وكذا ثم لقيه ذلك الوالي في جمع فهزمهم ، وحصل من أموالهم ما قويت به حاله ، فدخل برقة [ ص: 54 ] فجمع له أهلها مائتي ألف دينار وقبض على رجل يهودي اتهمه بودائع عنده ، فأخذ منه مائتي ألف دينار ونقش السكة باسمه وألقابه ، وركب يوم الجمعة وخطب ولعن الحاكم ، فجمع له الحاكم ستة عشر ألفا وبعث عليهم الفضل بن عبد الله ، فنهض وأخذ معه ثلاثمائة ألف دينار لنفقاته ونفقات العسكر ، وحمل إليه الحاكم خمسمائة ألف دينار وخمسة آلاف قطعة ثيابا ، وقال له : اجعل هذا عدة معك ، فلما سار تلقاه أبو ركوة فرام مناجزته والفضل يتعلل ويراوغ ، فقال أصحاب أبي ركوة : قد بذلنا نفوسنا دونك ولم يبق فينا فضل لمعاودة حرب ، وما دمت مقيما بين ظهرانينا فنحن مطلوبون لأجلك ، فخذ لنفسك وانظر أي بلد تريد لنحملك إليه ، فقال : تسلمون إلي فارسين يصحبانني إلى بلاد النوبة فإن بيني وبين ملكهم عهدا وذماما ، فأوصلوه إلى بلاد النوبة ، فبعث الفضل وراءه فسلموه فحمل إلى الحاكم ، فأركبه جملا وشهره ثم قتله ، وقدم الحاكم الفضل وأقطعه قطاعات كثيرة وبلغ في إكرامه إلى أن عاده دفعتين في علة عرضت له ، فلما أبل وعوفي قتله .

وفي يوم الاثنين لأربع خلون من جمادى الأولى أظهر ورود كتاب من حضرة بهاء الدولة بتقليد أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى النقابة والحج ، وتلقيبه بالرضي ذي الحسين .

وفي هذه السنة : لقب الشريف أبو القاسم أخوه بالمرتضى ذي المجدين ، ولقب الشريف أبو الحسين الزينبي بالرضا ذي الفخرين .

وفي رمضان في هذه السنة قلد سند الدولة أبو الحسن علي بن مزيد ما كان لقرواش ، وخلع عليه ، ولقب سند الدولة .

وفي هذه السنة : ثارت على الحاج ريح سوداء بالثعلبية أظلمت الدنيا منها [ ص: 55 ] حتى لم ير بعضهم بعضا وأصاب الناس عطش شديد ، وإعتاقهم ابن الجراح على مال طلبه ، وضاق الوقت فعادوا إلى الكوفة ووصل أوائلهم إلى بغداد في يوم التروية ، ولم يتم الحج في هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية