الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة

[تقليد الرضي أبي الحسن الموسوي نقابة الطالبيين ]

فمن الحوادث فيها : أنه قلد الرضي أبو الحسن الموسوي يوم الجمعة السادس عشر من المحرم نقابة الطالبيين في سائر الممالك ، وورد له عهد بذلك من حضرة بهاء الدولة ، وقرئ في دار فخر الملك بحضرته بعد أن جمع الأكابر من الأشراف والقضاة والعلماء والجند ، وخلعت عليه خلعة سوداء ، وهو أول طالبي خلع عليه السواد .

[خروج فخر الملك إلى كنف اليهودي بالنهروان ]

وفي يوم الأربعاء سادس صفر : خرج فخر الملك إلى بثق اليهودي بالنهروان فعمل فيه حتى أحكمه ، وأخذ بيده باقة قصب فطرحها فوافقه الناس ، وحملوا التراب على رءوسهم ، ووقع في بعض الجسور والفوارات رجلان من السوادية ، فطرح التراب والقصب عليهما فهلكا وبات فخر الملك ساهرا ليلته ، قائما على رجله والرجال يعملون ، حتى ثبت السكر ثم رتب العمال في كل رستاق وعمر البلاد ، فارتفع في تلك السنة بحق السلطان بضعة عشر ألف كر وخمسون ألف دينار . [ ص: 90 ]

وفي هذا الشهر : ورد الخبر على فخر الملك من الكوفة ، بأن أبا فليتة ابن القوي سبق الحاج إلى واقصة في ستمائة رجل ، فنزح الماء في مصانع البرمكي ، والريان وغورها ، وطرح في الآبار الحنظل ، وأقام يراصد ورودهم ، فلما وردوا العقبة [في ] يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر اعتقلهم هناك ، ومنعهم الاجتياز ، وطالبهم بخمسين ألف دينار فامتنعوا من تقرير أمره على شيء ، وضعفوا عن الصبر ، وبلغ منهم العطش فهجم عليهم فلم يكن عندهم دفع ولا منع ، فاحتوى على الجمال والأحمال والأموال فهلك من الناس الكثير ، وقيل : هلك خمسة عشر ألف إنسان ولم يفلت إلا العدد اليسير ، وأفلت أبو الحارث بن عمر العلوي وهو أميرهم في نفر من الكبار على أسوأ حال ، وفي آخر رمق خلص من خلص بالتخفير من العرب وركوب الغرر في المشي على القدم ، وكان فخر الملك حينئذ مقيما على سد الشق فورد عليه من هذا الأمر أعظم مورد وكاتب عامل الكوفة بأن يحسن إلى من سلم ويعينهم وكاتب علي بن مزيد ، وأمره أن يطلب العرب الذين فعلوا هذا ويوقع بهم بما يشفي الصدر منهم [وندب ] من يخرج لمعاونته فسار ابن مزيد فلحق القوم في البرية وقد قاربوا البصرة ، فأوقع بهم وقتل الكثير منهم ، وأسر ابن القوى أبا فليتة والأشتر وأربعة عشر رجلا من وجوه بني خفاجة ، ووجد الأحمال والأموال قد تمزقت ، وأخذ كل فريق من ذلك الجمع طرفا ، فانتزع ما أمكنه انتزاعه وعاد إلى الكوفة ، وبعث بالأسراء إلى بغداد فشهروا وأودعوا الحبس ، وأجيع منهم جماعة وأطعموا المالح ، وتركوا على دجلة حتى شاهدوا الماء حسرة وماتوا عطشا هناك ، وأوقع أبو الحسن بن مزيد [ ص: 91 ] بخفاجة بعد سنين فأفلت من أسروه من الحاج ، وكانوا قد جعلوهم رعاة لأغنامهم ، فعادوا وقد قسمت تركاتهم وتزوجت نساؤهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية