الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة عشرين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها :

[انحدار ذي البراعتين إلى البصرة واليا عليها ]

أنه انحدر ذو البراعتين أحمد بن محمد الواسطي إلى البصرة واليا عليها في محرم هذه السنة .

وورد الخبر لسبع خلون من ربيع الآخر : بأن مطرا ورد بنواحي النعمانية ومعه برد كبار ، في بردة أرطال ، وذكر أنه ورد بنواحي دير العاقول مطر معه برد وزن الواحدة منها خمسة دراهم وأقل ، وارتفعت بعده ريح سوداء فقلعت كثيرا من أصول الزيتون العاتية العتيقة ، وعبرت بها من شرقي النهروان إلى غربيه وطرحتها على بعد ، وقلعت الريح نخلة من أصلها ثم حملت جذعها إلى دار بينها وبينها ثلاث دور ، وقلعت الريح سقف مسجد الجامع ببعض القرى ، وشوهد من البرد ما يكون في الواحدة ما بين الرطل إلى الرطلين ، ووجدت بردة عظيمة الحجم يزيد وزنها على مائة رطل ، فحزرت بمائة وخمسين رطلا ، وكانت كالثور النائم ، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع .

وورد إلى الخليفة كتاب من الأمير يمين الدولة أبي القاسم محمود وكان فيه سلام على سيدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين ، فإن كتاب العبد صدر من معسكره بظاهر الري غرة جمادى الآخر سنة عشرين ، وقد أزال الله عن هذه البقعة أيدي الظلمة [ ص: 195 ] وطهرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة ، وقد تناهت إلى الحضرة المقدسة حقيقة الحال في ما قصر العبد عليه سعيه واجتهاده من غزو أهل الكفر والضلال ، وقمع من نبغ ببلاد خراسان من الفئة الباطنية الفجار ، وكانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها وإعلانهم بالدعاء إلى كفرهم فيها يختلطون بالمعتزلة المبتدعة والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة يتجاهرون بشتم الصحابة ويسرون اعتقاد الكفر ومذهب الإباحة ، وكان زعيمهم رستم بن علي الديلمي ، فعطف العبد عنانه بالعساكر فطلع بجرجان وتوقف بها إلى انصراف الشتاء ، ثم دلف منها إلى دامغان ، ووجه عليا لحاجب في مقدمة العسكر إلى الري ، فبرز رستم بن علي من وجاره على حكم الاستسلام والاضطرار ، فقبض عليه وعلى أعيان الباطنية من قواده .

وطلعت الرايات أثر المقدمة بسواد الري غدوة الاثنين السادس عشر من جمادى الأولى ، وخرج الديالمة معترفين بذنوبهم شاهدين بالكفر والرفض على نفوسهم ، فرجع إلى الفقهاء في تعرف أحوالهم ، فاتفقوا على أنهم خارجون عن الطاعة وداخلون في أهل الفساد مستمرون على العناد ، فيجب عليهم القتل والقطع والنفي على مراتب جناياتهم ، وإن لم يكونوا من أهل الإلحاد فكيف واعتقادهم في مذاهبهم ولا يعدو ثلاثة أوجه تسود بها الوجوه في القيامة التشيع والرفض والباطن ، وذكر هؤلاء الفقهاء أن أكثر القوم لا يقيمون الصلاة ، ولا يؤتون الزكاة ، ولا يعرفون شرائط الإسلام ، ولا يميزون بين الحلال والحرام ، بل يجاهرون بالقذف وشتم الصحابة ، ويعتقدون ذلك ديانة ، والأمثل منهم يتقلد مذهب الاعتزال ، والباطنية منهم لا يؤمنون بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأنهم يعدون جميع الملل مخاريق الحكماء ، ويعتقدون مذهب الإباحة في الأموال والفروج والدماء وحكموا بأن رستم بن علي [ ص: 196 ] كان يظهر التستر ويتميز به عن سلفه إلا أن في حبالته زيادة على خمسين امرأة من الحرائر ولدن ثلاثة وثلاثين نفسا من الذكور والإناث ، وحين رجع إليه في السؤال عن هذه الحال ، وعرف أن من يستجيز مثل هذا الصنيع مجاوز كل حد في الاستحلال ذكر أن هذه العدة من النساء أزواجه ، وأن أولادهن أولاده ، وأن الرسم الجاري لسلفه [في ارتباط الحرائر ] كان مستمرا على هذه الجملة ، وأنه لم يخالف عاداتهم في ارتكاب هذه الخطة ، وأن ناحية من سواد الري قد خصت بقوم من المزدكية يدعون الإسلام بإعلان الشهادة ، ثم يجاهرون بترك الصلاة والزكاة والصوم والغسل وأكل الميتة ، فقضى الانتصار لدين الله [تعالى ] بتميز هؤلاء الباطنية عنهم ، فصلبوا على شارع مدينة طالما تملكوها غصبا واقتسموا أموالها نهبا ، وقد كانوا بذلوا أموالا جمة يفتدون بها نفوسهم ، فعرفوا أن الغرض نهب نفوسهم دون العرض وحول رستم بن علي [وابنه ] وجماعة من الديالمة إلى خراسان ، وضم إليهم أعيان المعتزلة والغلاة من الروافض ليتخلص الناس من فتنتهم ، ثم نظر فيما اختزنه رستم بن علي بن الأثاث فعثر من الجواهر ما يقارب خمسمائة ألف دينار ، ومن النقد على مائتين وستين ألف دينار ، ومن الذهبيات والفضيات على ما بلغ قيمة ثلاثين ألف دينار ، ومن أصناف الثياب على خمسة آلاف وثلاثمائة ثوب ، وبلغت قيمة الدسوت من النسيج والخزوانيات عشرين ألف دينار ، ووقف أعيان الديلم على مائتي ألف دينار ، وحول من الكتب خمسون حملا ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنها أحرقت تحت جذوع المصلبين ، إذ كانت أصول البدع ، فخلت هذه البقعة من دعاة الباطنية وأعيان المعتزلة والروافض ، وانتصرت السنة فطالع العبد بحقيقة ما يسره الله تعالى لأنصار الدولة القاهرة . [ ص: 197 ]

وفي وقت عتمة ليلة الثلاثاء لعشر بقين من رجب انقض كوكب عظيم أضاءت منه الأرض ، وكان له دوي كدوي الرعد ، وتقطع أربع قطع ، وانقض في ليلة الخميس بعده كوكب آخر دونه ، وانقض في ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من الشهر كوكب ثالث أكبر من الأول وأكثر إضاءة وانتشار شعاع .

وفي شعبان اضطرب البلد وكثرت العملات ، وكبس العيارون عدة محال منه ، وضعفت رجالة المعونة .

التالي السابق


الخدمات العلمية