الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه تقدم في ليلة عاشوراء إلى أهل الكرخ أن لا ينوحوا ولا يعلقوا المسوح على ما جرت به عادتهم خوفا من الفتنة فوعدوا وأخلفوا وجرى بين أهل السنة والشيعة ما يزيد عن الحد من الجرح والقتل حتى عبر الأتراك وضربوا الخيم .

وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا شهادة أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني .

وفي شعبان: نقض أهل الكرخ سوق الأنماط دكاكينها وأرحاءها وبنوا بآخرها سورا من ورائها يحصنون بها الكرخ ويقطعون به ما بين خراب القلائين وبينه فلما رأى ذلك أهل السنة من القلائين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلائين وبدءوا بعمل بابه محاذيا لباب السماكين ونقضوا كل حائط أمكنهم نقضه وأخذوا كل آجر وجدوه واجتمع منهم جمع كثير يحملون الآجر إلى موضع العمل وعاونهم الأتراك بأموالهم وساعدوهم ببغالهم وجرى من اجتماع الجموع ما لم يجر مثله من قبل في شيء حتى جرت سفينة على العجل حمل فيها آجر وعلى ملاحها قباء ديباج وعمامة قصب أهبة وعن لأهل الكرخ أن يبنوا بابا آخر من آجر الدقاقين وحملوا الآجر إلى موضعه على رءوس الرجال في البافدانات المجللة بالثياب الديباج والمناديل الدبيقي [ ص: 320 ] وقدامها الطبول والزمور والمخانيث معهم آلات الحكاية وقابل أهل القلائين ذلك بأن حملوا آجرهم بين يدي حمالية البوقات والدبادب وزاد الأمر وسخف وأفرط الوهن ونقضت أبنية كثيرة وأخذ من تنانير الآجر الجديدة عدة وجرى في عمل هذه الأبواب وبنائها وجمع آجرها وآلاتها وتقسيط نفقاتها والخلع على بنائها وطرح ماء الورد في أساساتها ما خرج عن الحد حتى أن امرأة اجتازت بباب القلائين فنزعت جوكانية ديباج كانت عليها فأعطتها للبناء .

وفي يوم عيد الفطر: ثارت الفتنة بين أهل الكرخ وأهل القلائين فاشتدت ووقع بينهما جرح وقتل ونقل أهل القلائين آجر السور الذي على سوق الأنماط فاستعملوه في بنائهم وجعل مع كل جهة قوم من الأتراك يشدون منهم وامتنع على السلطان الإصلاح وعمل أهل القلائين بابا آخر دون بابهم وسقفوا ما بينهما وبنوا دكاكين جانبيها وفرشوا الحصر وعلقوا القناديل وخلقوا الحيطان وأظهروا عمل ذلك مسجدا وأذنوا للصلوات فيه وسمي الباب المسعود وبطلت الأسواق ودعي أبو محمد بن النسوي ورسم له العبور إلى الجانب الغربي وإزالة الفتنة فقتل جماعة من المذكورين وانتهى إلى الخليفة أن القضاة أبا الحسن السمناني وأبا الحسن البيضاوي وأبا عبد الله الدامغاني وابن الواثق وابن المحسن الوكيلين حضروا عند القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي وجرى ذكر أهل الكرخ وما عملوا فقال التنوخي : هذه طائفة نشأت على سب الصحابة وما منعت منه إلا وجدت به ولا كان لدار الخلافة أمر عليها فما تحاول الآن منها وإني لأذكره وأنا أحمل رقاع ابن حاجب النعمان عن دار الخلافة القادرية إلى الرضي فلا يفضها ويقول إن كانت لك حاجة قضيتها فلما قام أخوه المرتضى أظهر الطاعة حفظا لنعمته فكتب الوكيلان بما جرى إلى الديوان وشهد بذلك الشهود فتقدم بما وقف عليه ابن عبد الرحيم الوزير فكاتب الخليفة وسأله في الصفح عن التنوخي فوقع الاقتصار على أن كتب رئيس الرؤساء إلى قاضي القضاة ليتوقف قاضي القضاة الحسين [ ص: 321 ] ابن علي عن استماع شهادة التنوخي وليوعز عليه بملازمة منزله إلى أن يكشف عن حاله ثم لم يزل يسأل فيه حتى أذن له في الشهادة ودخول الديوان ثم زادت الفتن بين السنة والشيعة ونقضت المحال ورميت فيها النار .

وأشتد أمر العيارين بالجانب الغربي حتى انتقل أهله إلى الحريم وابتاعوا خرابات وعمروها .

وفي ذي الحجة: عصفت ريح غبراء ترابية فأظلمت الدنيا فلم ير أحد أحدا وكان الناس في أسواقهم فحاروا ودهشوا ودامت ساعة فقلعت رواشن دار الخلافة ودار المملكة وانحدر الطيار ووقع الظلال في الأسواق وسقط من النخل والشجر الكثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية