الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
5- في النوبـة [1]

لما فتح المسلمون مصر ، غزوا النوبة ، فقفل المسلمون بالجراحات، وذهاب الحدق من جودة الرمي، فسموا رماة الحدق [2] ، فقد أراد عمرو أن يؤمن مصر من الجنوب، فبعث عقبة بن نافع الفهري ، فدخلت خيول المسلمين النوبة، كما تدخل صوائف [3] الروم، فلقي المسلمون [ ص: 132 ] بالنوبة قتالا شديدا. لقد لاقاهم النوبيون، فرشقوهم بالنبل، حتى جرح عامتهم، فانصرفوا بجراحات كثيرة، وحدق مفقوءة، فسمي النوبيون (رماة الحدق) ، ولم يصالحهم عمرو ، ودأب على مهاجمتهم بين حين وآخر، حتى عزل عن مصر ، وولي عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فصالحهم، فكانت بينهم وبين المسلمين هـدنة، يعطيهم المسلمون شيئا من القمح والعدس، ويعطيهم النوبيون رقيقا [4] .

وقد ذكر شيخ من حمير قال: (شهدت النوبة مرتين، في ولاية عمر بن الخطاب ، فلم أر قوما أحد في حرب منهم! لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك؟ فربما عبث الفتى منا، فقال: في مكان كذا! فلا يخطئه!! كانوا يكثرون الرمي بالنبل، فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شيء [5] ! فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا، ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا على معالجتهم، رمونا حتى ذهبت الأعين، فعدت مائة وخمسين عينا مفقوءة، فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح، إن سلبهم لقليل، وإن نكايتهم لشديدة، فلم يصالحهم عمرو، ولم يزل يكالبهم حتى نزع، وولي عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فصالحهم [6] . [ ص: 133 ]

وقد فتحت مصر سنة عشرين الهجرية، كما ذكرنا، والتعرض بالنوبة الأول بقيادة عقبة بن نافع ، لا بد أن يكون بعد فتح الصعيد ، فمن الواضح أن التعرض الإسلامي بالنوبة كان سنة إحدى وعشرين الهجرية [7] ، لأن عقبة بعد ذلك أصبح ميدان جهاده في ليبيا ، كما ذكرنا، ولم يعد إلى مصر قائدا، بل تولى إفريقية ، واقتصر نشاطه العسكري على تلك المناطق والأصقاع. وهكذا كان عمرو أول من فكر في فتح النوبة ، ومهد لفتحها.

التالي السابق


الخدمات العلمية