الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

عمرو بن العاص (القائد المسلم والسفير الأمين) [الجزء الأول]

اللواء الركن / محمود شيت خطاب

4 - الشاعـر

رويت لعمرو آثار في الشعر، تسلكه بين الشعراء، قال في يوم أحد ، وكان يومئذ مشركا:


خرجنا من الفيفا عليهم كأننا مع الصبح من رضوى الحبيك المنطق [1] .     تمنت بنو النجار جهلا لقاءنا
لدى جنب سلـع والأماني تصـدق [2] .     فما راعهم بالشر إلا فجاءة
كراديس خيـل في الأزقة تمـرق [3] .     أرادوا لكيما يستبيحوا قبابنا
ودون القبـاب اليـوم ضرب محـرق     وكانت قبابا أومنت قبل ما ترى
إذا رامها قـوم أبيحـوا وأحنقـوا [4] .     كـأن رءوس الخزرجيين غدوة
وأيمانهم بالمشرفية بروق [5] .

[ ص: 158 ]

* وقال في يوم أحد أيضا:


لما رأيت الحرب ينزو شرها بالرضف نـزوا [6]


تنازلت شهباء تلحو الناس بالضراء لحـوا [7]


أيقنت أن المـوت حـق والحيـاة تكـون لغـوا


حملت أثوابي على عتد يبذ الخيل رهوا [8]


سلس إذا نكبن في البيداء يعلو الطرف علوا [9]


وإذا تنزل ماؤه من عطفه يزداد زهـوا [10]


ربذ كيعفور الصريمة راعه الرامون دحـوا [11]


شنج نساه ضابط للخيل إرخـاء وعـدوا [12]


ففدى لهم أمي غداة الروع إذ يمشون قطوا [13]


سيرا إلى كبش الكتيبة إذ جلته الشمس جلوا [14]

[ ص: 159 ]

* وكان عمارة بن الوليد ، مع عمرو في أرض الحبشة ، وعمارة أخو خالد بن الوليد ، فاختلف عمرو وعمارة [15] ، فقال عمرو:


تعلم عمار أن من شر شبهة [16]     لمثلك أن يدعى ابن عم له انتمى [17]
لئن كنت ذا بردين أحوى مرجلا     فلست براء لابن عمك محرما
إذا المرء لم يترك طعاما يحبه     ولم ينه قلبا هـائما [18] حيث يمما
قضى وطرا منه [19] وغادر سبة     إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما [20]

* وقال عمرو في حرب صفين :


شبت الحرب فأعددت لها     مفرغ الحارك محبوك السبج [21]
[ ص: 160 ] يصـل الشد بشـد فـذا     وفت الخيل من الشد معج [22]
جرشـع أعظمـه جفرتـه     فإذا ابتل من الماء حدج [23]

* وكتب عمرو إلى معاوية بن أبي سفيان :

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل     به منك دنيا فانظرن كيف تصنع؟
وما الدين والدنيا سواء وإنني     لآخـذ ما تعطي ورأسي مقنـع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة     أخذت بها شيخا يضر وينفع [24]

* ومما يعزى إلى عمرو قوله:

وأغضي على أشياء لو شئت قلتها     ولو قلتها لم أبق للصلح موضعا
[ ص: 161 ] فإن كان عودي من نضار فإنني     لأكره يوما أن أحطم خروعا [25]

تلك نماذج قليلة من شعره، تدل على قابليته الشعرية المتميزة، وثراء رصيده اللغوي بالكلمات العربية الفصحى الأصيلة، ولعله لو تفرغ للشعر، ولم تشغله حوادث الأيام بالحرب، والسياسة، والإدارة، لكان له شأن مرموق بين الشعراء الفحول.

وكان يروي الشعر، ويلقيه على الأسماع، حين يجد إلى ذلك سبيلا، ومن منقوله لا من مقوله، ما ذكره لمعاوية بن أبي سفيان ، أن بكارة الهلالية [26] ، قالت:


يا زيد دونك فاستشر من دارنا     سيفا حساما في التراب دفينا
قد كنت أذخره ليوم كريهة     فاليوم أبرزه الزمان مصونا [27]

ومن النادر أن يقول المرء شعرا، إلا إذا حفظ كثيرا من الشعر ورواه. [ ص: 162 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية