الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (7) قوله تعالى: صراط الذين : بدل منه بدل كل من كل؛ وهو بدل معرفة من معرفة؛ والبدل سبعة أقسام؛ على خلاف في بعضها: بدل كل من كل؛ بدل بعض من كل؛ بدل اشتمال؛ بدل غلط؛ بدل نسيان؛ بدل بداء؛ بدل كل من بعض. أما الأقسام الثلاثة الأول فلا خلاف فيها؛ وأما بدل البداء فأثبته بعضهم؛ مستدلا بقوله عليه السلام: "إن الرجل ليصلي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها؛ إلى العشر"؛ ولا يرد هذا في [ ص: 66 ] القرآن؛ وأما الغلط والنسيان فأثبتهما بعضهم مستدلا بقول ذي الرمة:


                                                                                                                                                                                                                                      72 - لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثاث وفي أنيابها شنب



                                                                                                                                                                                                                                      قال: لأن الحوة السواد الخالص؛ واللعس سواد يشوبه حمرة. ولا يرد هذان البدلان في كلام فصيح؛ وأما بدل الكل من البعض فأثبته بعضهم مستدلا بظاهر قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      73 - رحم الله أعظما دفنوها     بسجستان طلحة الطلحات



                                                                                                                                                                                                                                      في رواية من نصب "طلحة"؛ قال: لأن الأعظم بعض طلحة؛ وطلحة كل، وقد أبدل منها؛ واستدل على ذلك أيضا بقول امرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      74 - كأني غداة البين يوم تحملوا     لدى سمرات الحي ناقف حنظل



                                                                                                                                                                                                                                      فـ "غداة" بعض اليوم؛ وقد أبدل "يوم" منها. ولا حجة في البيتين؛ أما الأول: فإن الأصل: أعظما دفنوها أعظم طلحة؛ ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ ويدل على ذلك الرواية المشهورة؛ وهي جر "طلحة"؛ على أن الأصل: أعظم طلحة؛ ولم يقم المضاف إليه مقام المضاف؛ وأما الثاني فإن اليوم يطلق على القطعة من الزمان؛ كما تقدم. ولكل مذهب من هذه المذاهب دلائل وإيرادات وأجوبة؛ موضوعها كتب النحو. [ ص: 67 ] وقيل: إن الصراط الثاني غير الأول؛ والمراد به العلم بالله تعالى؛ قاله جعفر بن محمد؛ وعلى هذا فتخريجه أن يكون معطوفا حذف منه حرف العطف؛ وبالجملة فهو مشكل.

                                                                                                                                                                                                                                      والبدل ينقسم أيضا إلى بدل معرفة من معرفة؛ ونكرة من نكرة؛ ومعرفة من نكرة؛ ونكرة من معرفة؛ وينقسم أيضا إلى بدل ظاهر من ظاهر؛ ومضمر من مضمر؛ وظاهر من مضمر؛ ومضمر من ظاهر. وفائدة البدل: الإيضاح بعد الإبهام؛ ولأنه يفيد تأكيدا من حيث المعنى؛ إذ هو على نية تكرار العامل.

                                                                                                                                                                                                                                      و"الذين" في محل جر بالإضافة؛ وهو اسم موصول؛ لافتقاره إلى صلة وعائد؛ وهو جمع "الذي" في المعنى؛ والمشهور فيه أن يكون بالياء رفعا ونصبا وجرا؛ وبعضهم يرفعه بالواو؛ جريا له مجرى جمع المذكر السالم؛ ومنه:


                                                                                                                                                                                                                                      75 - نحن اللذون صبحوا الصباحا     يوم النخيل غارة ملحاحا



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تحذف نونه استطالة بصلته؛ كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      76 - وإن الذي حانت بفلج دماؤهم     هم القوم كل القوم يا أم خالد



                                                                                                                                                                                                                                      ولا يقع إلا على أولي العلم؛ جريا به مجرى جمع المذكر السالم؛ بخلاف مفرده؛ فإنه يقع على أولي العلم وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      و"أنعمت": فعل وفاعل؛ صلة الموصول؛ والتاء في "أنعمت" ضمير [ ص: 68 ] المخاطب؛ ضمير مرفوع متصل. و"عليهم": جار ومجرور؛ متعلق بأنعمت؛ والضمير هو العائد؛ وهو ضمير جمع المذكرين العقلاء؛ ويستوي لفظ متصله ومنفصله.

                                                                                                                                                                                                                                      والهمزة في "أنعمت" لجعل الشيء صاحب ما صيغ منه؛ فحقه أن يتعدى بنفسه؛ ولكنه ضمن معنى "تفضل"؛ فتعدى تعديته. ولـ "أفعل" أربعة وعشرون معنى؛ تقدم واحد؛ والباقي: التعدية: نحو: أخرجته؛ والكثرة: نحو: أظبى المكان؛ أي كثر ظباؤه؛ والصيرورة: نحو: أغد البعير؛ صار ذا غدة؛ والإعانة: نحو: أحلبت فلانا؛ أي أعنته على الحلب؛ والسلب: نحو: أشكيته؛ أي: أزلت شكايته؛ والتعريض: نحو: أبعت المتاع؛ أي: عرضته للبيع؛ وإصابة الشيء بمعنى ما صيغ منه: نحو: أحمدته؛ أي وجدته محمودا؛ وبلوغ عدد: نحو: أعشرت الدراهم؛ أي: بلغت عشرة؛ أو بلوغ زمان: نحو: أصبح؛ أو مكان: نحو: أشأم؛ وموافقة الثلاثي: نحو: أحزت المكان؛ بمعنى حزته؛ أو أغنى عن الثلاثي: نحو: أرقل البعير؛ ومطاوعة فعل: نحو: قشع الريح فأقشع السحاب؛ ومطاوعة فعل: نحو: قطرته فأقطر؛ ونفي الغريزة: نحو: أسرع؛ والتسمية: نحو: أخطأته؛ أي سميته مخطئا؛ والدعاء: نحو: أسقيته؛ أي قلت له: سقاك الله؛ والاستحقاق: نحو: أحصد الزرع؛ أي استحق الحصاد؛ والوصول: نحو: أعقلته؛ أي: وصلت عقلي إليه؛ والاستقبال: نحو: أففته أي استقبلته بقولي: أف؛ والمجيء بالشيء: نحو: أكثرت؛ أي جئت بالكثير؛ والفرق بين "أفعل" و"فعل": نحو: أشرقت الشمس؛ أضاءت؛ وشرقت: طلعت؛ والهجوم: نحو: أطلعت على القوم؛ أي: اطلعت عليهم. [ ص: 69 ] و"على" حرف استعلاء حقيقة؛ أو مجازا؛ نحو: عليه دين؛ ولها معان أخر؛ منها: المجاوزة: كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      77 - إذا رضيت علي بنو قشير     لعمر الله أعجبني رضاها



                                                                                                                                                                                                                                      أي: عني؛ وبمعنى الباء: حقيق على أن لا أقول ؛ أي بأن؛ وبمعنى في: ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ؛ أي: في ملك؛ والمصاحبة: نحو: وآتى المال على حبه ذوي القربى ؛ والتعليل: نحو: ولتكبروا الله على ما هداكم ؛ أي: لأجل هدايته إياكم؛ وبمعنى من: حافظون إلا على أزواجهم ؛ أي: إلا من أزواجهم؛ والزيادة: كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      78 - أبى الله إلا أن سرحة مالك     على كل أفنان العضاه تروق



                                                                                                                                                                                                                                      لأن "تروق" يتعدى بنفسه؛ ولكل موضع من هذه المواضع مجال للنظر.

                                                                                                                                                                                                                                      وهي مترددة بين الحرفية والاسمية؛ فتكون اسما في موضعين؛ أحدهما: أن يدخل عليها حرف الجر؛ كقوله: [ ص: 70 ] 79 - غدت من عليه بعدما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض بزيزاء مجهل

                                                                                                                                                                                                                                      ومعناها معنى فوق؛ أي من فوقه؛ والثاني: أن يؤدي جعلها حرفا إلى تعدي فعل المضمر المنفصل إلى ضميره المتصل في غير المواضع الجائز فيها ذلك؛ كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      80 - هون عليك فإن الأمور     بكف الإله مقاديرها



                                                                                                                                                                                                                                      ومثلها في هذين الحكمين: عن؛ وستأتي إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم بعضهم أن "على" مترددة بين الاسم والفعل والحرف: أما الاسم والحرف فقد تقدما؛ وأما الفعل قال: فإنك تقول: "علا زيد"؛ أي ارتفع؛ وفي هذا نظر؛ لأن "على" - إذا كان فعلا - مشتق من العلو؛ وإذا كان اسما أو حرفا فلا اشتقاق له؛ فليس هو ذاك؛ إلا أن هذا القائل يرد هذا النظر بقولهم: إن خلا وعدا مترددان بين الفعلية والحرفية؛ ولم يلتفتوا إلى هذا النظر.

                                                                                                                                                                                                                                      والأصل في هاء الكناية الضم؛ فإن تقدمها ياء ساكنة أو كسرة كسرها غير الحجازيين؛ نحو: عليهم وفيهم وبهم؛ والمشهور في ميمها السكون قبل متحرك؛ والكسر قبل ساكن؛ هذا إذا كسرت الهاء، أما إذا ضممت فالكسر ممتنع إلا في ضرورة؛ كقوله: "وفيهم الحكام" بكسر الميم.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي "عليهم" عشر لغات؛ قرئ ببعضها: عليهم: بكسر الهاء وضمها [ ص: 71 ] مع سكون الميم؛ عليهمي، عليهم؛ عليهمو: بكسر الهاء وضم الميم بزيادة الواو؛ عليهمي: بضم الهاء وزيادة ياء بعد الميم؛ أو بالكسر فقط، عليهم: بكسر الهاء وضم الميم؛ ذكر ذلك أبو بكر ابن الأنباري.

                                                                                                                                                                                                                                      و"غير" بدل من "الذين"؛ بدل نكرة من معرفة؛ وقيل: نعت لـ "الذين"؛ وهو مشكل؛ لأن "غير" نكرة؛ و"الذين" معرفة؛ وأجابوا عنه بجوابين: أحدهما: أن "غير" إنما يكون نكرة إذا لم يقع بين ضدين؛ فأما إذا وقع بين ضدين فقد انحصرت الغيرية؛ فيتعرف "غير" حينئذ بالإضافة؛ تقول: مررت بالحركة غير "السكون"؛ والآية من هذا القبيل؛ وهذا إنما يتمشى على مذهب ابن السراج ؛ وهو مرجوح. والثاني: أن الموصول أشبه النكرات في الإبهام الذي فيه؛ فعومل معاملة النكرات؛ وقيل: إن "غير" بدل من الضمير المجرور في "عليهم"؛ وهذا يشكل على قول من يرى أن البدل يحل محل المبدل منه؛ وينوى بالأول الطرح؛ إذ يلزم منه خلو الصلة من العائد؛ ألا ترى أن التقدير يصير: صراط الذين أنعمت على غير المغضوب عليهم؟

                                                                                                                                                                                                                                      و"المغضوب": خفض بالإضافة؛ وهو اسم مفعول؛ والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور؛ فـ "عليهم" الأولى منصوبة المحل؛ والثانية مرفوعته؛ و"أل" فيه موصولة؛ والتقدير: غير الذين غضب عليهم. والصحيح في "أل" الموصولة أنها اسم لا حرف.

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أن لفظ "غير" مفرد مذكر أبدا؛ إلا أنه إن أريد به مؤنث جاز تأنيث فعله المسند إليه؛ تقول: قامت غيرك؛ وأنت تعني امرأة؛ وهي في الأصل صفة بمعنى اسم الفاعل؛ وهو مغاير؛ ولذلك لا يتعرف بالإضافة؛ [ ص: 72 ] وكذلك أخواتها؛ أعني نحو: مثل وشبه وشبيه وخدن وترب؛ وقد يستثنى بها حملا على "إلا"؛ كما يوصف بإلا حملا عليها؛ وقد يراد بها النفي كـ "لا"؛ فيجوز تقديم معمول معمولها عليها؛ كما يجوز في "لا"؛ تقول: أنا زيدا غير ضارب؛ أي غير ضارب زيدا؛ ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      81 - إن امرأ خصني عمدا مودته     على التنائي لعندي غير مكفور



                                                                                                                                                                                                                                      تقديره: لغير مكفور عندي؛ ولا يجوز ذلك فيها إذا كانت لغير النفي؛ لو قلت: جاء القوم زيدا غير ضارب؛ تريد: غير ضارب زيدا لم يجز؛ لأنها ليست بمعنى "لا" التي يجوز فيها ذلك على الصحيح من الأقوال في "لا". وفيها قول ثان يمنع ذلك مطلقا؛ وقول ثالث مفصل بين أن تكون جواب قسم فيمتنع فيها ذلك؛ وبين ألا تكون؛ فيجوز.

                                                                                                                                                                                                                                      وهي من الألفاظ الملازمة للإضافة لفظا أو تقديرا؛ فإدخال الألف واللام عليها خطأ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ "غير"؛ نصبا؛ فقيل: حال من "الذين" وهو ضعيف لمجيئه من المضاف إليه في غير المواضع الجائز فيها ذلك؛ كما ستعرفه إن شاء الله تعالى؛ وقيل: من الضمير في "عليهم"؛ وقيل: على الاستثناء المنقطع؛ ومنعه الفراء؛ قال: لأن "لا" لا تزاد إلا إذا تقدمها نفي؛ كقوله: [ ص: 73 ]

                                                                                                                                                                                                                                      82 - ما كان يرضى رسول الله فعلهما     والطيبان أبو بكر ولا عمر



                                                                                                                                                                                                                                      وأجابوا بأن "لا" صلة زائدة؛ مثلها في قوله تعالى: ما منعك ألا تسجد ؛ وقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      83 - وما ألوم البيض ألا تسخرا      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      84 - ويلحينني في اللهو ألا أحبه     وللهو داع دائب غير غافل



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      85 - أبى جوده لا البخل واستعجلت نعم     به من فتى لا يمنع الجود نائله



                                                                                                                                                                                                                                      فـ "لا" في هذه المواضع صلة. وفي هذا الجواب نظر؛ لأن الفراء لم يقل إنها غير زائدة؛ فقولهم: إن "لا" زائدة في هذه الآية وتنظيرهم لها بالمواضع المتقدمة لا يفيد؛ وإنما تحرير الجواب أن يقولوا: وجدت "لا" زائدة من غير تقدم نفي كهذه المواضع المتقدمة. وتحتمل أن تكون "لا" في قوله: "لا البخل" مفعولا به لـ "أبى"؛ ويكون نصب "البخل" على أنه بدل من "لا"؛ أي أبى جوده قول لا؛ وقول لا هو البخل؛ ويؤيد هذا قوله: "واستعجلت [ ص: 74 ] به نعم" فجعل "نعم" فاعل "استعجلت"؛ فهو من الإسناد اللفظي؛ أي أبى جوده هذا اللفظ؛ واستعجل به هذا اللفظ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن نصب "غير" بإضمار "أعني"؛ ويحكى عن الخليل. وقدر بعضهم بعد "غير" محذوفا؛ قال: التقدير: غير صراط المغضوب؛ وأطلق هذا التقدير؛ فلم يقيده بجر "غير" ولا نصبه؛ ولا يتأتى إلا مع نصبها؛ وتكون صفة لقوله: الصراط المستقيم ؛ وهذا ضعيف؛ لأنه متى اجتمع البدل والوصف قدم الوصف؛ فالأولى أن يكون صفة لـ "صراط الذين"؛ ويجوز أن تكون بدلا من الصراط المستقيم ؛ أو من صراط الذين ؛ إلا أنه يلزم منه تكرار البدل؛ وفي جوازه نظر؛ وليس في المسألة نقل؛ إلا أنهم قد ذكروا ذلك في بدل البداء خاصة؛ أو حالا من "الصراط" الأول؛ أو الثاني... .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أنه حيث جعلنا "غير" صفة فلا بد من القول بتعريف "غير"؛ أو بإبهام الموصوف وجريانه مجرى النكرة؛ كما تقدم تقرير ذلك في القراءة بجر "غير".

                                                                                                                                                                                                                                      و"لا" في قوله: ولا الضالين ؛ زائدة لتأكيد معنى النفي المفهوم من "غير"؛ لئلا يتوهم عطف "الضالين" على الذين أنعمت ؛ وقال الكوفيون : هي بمعنى "غير"؛ وهذا قريب من كونها زائدة؛ فإنه لو صرح بـ "غير" كانت للتأكيد أيضا؛ وقد قرأ بذلك عمر بن الخطاب.

                                                                                                                                                                                                                                      و"الضالين" مجرور عطفا على "المغضوب"؛ وقرئ شاذا: "الضألين" بهمز الألف؛ وأنشدوا: [ ص: 75 ]

                                                                                                                                                                                                                                      86 - وللأرض أما سودها فتجللت     بياضا وأما بيضها فادهأمت



                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو القاسم الزمخشري : "فعلوا ذلك للجد في الهرب من التقاء الساكنين"؛ انتهى. وقد فعلوا ذلك حيث لا ساكنان؛ قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      87 - فخندف هامة هذا العألم      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      بهمز "العألم"؛ وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      88 - ولى نعام بني صفوان زوزأة      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      بهمز ألف "زوزأة"؛ والظاهر أنها لغة مطردة؛ فإنهم قالوا في قراءة ابن ذكوان : "منسأته"؛ بهمزة ساكنة: إن أصلها ألف؛ فقلبت همزة ساكنة.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: لم أتى بصلة الذين فعلا ماضيا؟ قيل: ليدل ذلك على ثبوت إنعام الله عليهم وتحقيقه لهم؛ وأتى بصلة "أل" اسما ليشمل سائر الأزمان؛ وجاء به مبنيا للمفعول تحسينا للفظ؛ لأن من طلبت منه الهداية [ ص: 76 ] ونسب الإنعام إليه؛ لا يناسبه نسبة الغضب إليه؛ لأنه مقام تلطف وترفق لطلب الإحسان؛ فلا يحسن مواجهته بصفة الانتقام.

                                                                                                                                                                                                                                      والإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير؛ ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه الإحسان من العقلاء؛ فلا يقال: أنعم فلان على فرسه؛ ولا حماره.

                                                                                                                                                                                                                                      والغضب: ثوران دم القلب إرادة الانتقام؛ ومنه قوله عليه السلام: "اتقوا الغضب؛ فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم؛ ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه؟"؛ وإذا وصف به الباري تعالى فالمراد به الانتقام لا غيره؛ ويقال: "فلان غضبة"؛ إذا كان سريع الغضب.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: غضبت لفلان [إذا كان حيا]؛ وغضبت به إذا كان ميتا؛ وقيل: الغضب تغير القلب لمكروه؛ وقيل: إن أريد بالغضب العقوبة كان صفة فعل؛ وإن أريد به إرادة العقوبة كان صفة ذات.

                                                                                                                                                                                                                                      والضلال: الخفاء والغيبوبة؛ وقيل: الهلاك؛ فمن الأول قولهم: ضل الماء في اللبن؛ وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      89 - ألم تسأل فتخبرك الديار     عن الحي المضلل أين ساروا



                                                                                                                                                                                                                                      والضلضلة: حجر أملس؛ يرده السيل في الوادي. ومن الثاني: أإذا ضللنا في الأرض ؛ وقيل: الضلال: العدول عن الطريق المستقيم؛ وقد يعبر به عن النسيان؛ كقوله تعالى: أن تضل إحداهما ؛ بدليل قوله: فتذكر . [ ص: 77 ] القول في "آمين": ليست من القرآن إجماعا؛ ومعناها: استجب؛ فهي اسم فعل مبني على الفتح؛ وقيل: ليس باسم فعل؛ بل هو من أسماء الباري تعالى؛ والتقدير: يا آمين؛ وضعف أبو البقاء هذا بوجهين: أحدهما: أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن يبنى على الضم لأنه منادى مفرد معرفة؛ والثاني: أن أسماء الله تعالى توقيفية. ووجه الفارسي قول من جعله اسما لله تعالى على معنى أن فيه ضميرا يعود على الله تعالى: لأنه اسم فعل؛ وهو توجيه حسن؛ نقله صاحب "المغرب".

                                                                                                                                                                                                                                      وفي آمين لغتان: المد والقصر؛ فمن الأول قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      90 - آمين آمين لا أرضى بواحدة     حتى أبلغها ألفين آمينا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      91 - يا رب لا تسلبني حبها أبدا     ويرحم الله عبدا قال آمينا



                                                                                                                                                                                                                                      ومن الثاني قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      92 - تباعد عني فطحل إذ دعوته     آمين فزاد الله ما بيننا بعدا



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الممدود اسم أعجمي؛ لأنه بزنة قابيل وهابيل. وهل يجوز [ ص: 78 ] تشديد الميم؟ المشهور أنه خطأ نقله الجوهري؛ ولكنه قد روي عن الحسن؛ وجعفر الصادق التشديد؛ وهو قول الحسين بن الفضل من "أم" إذا قصد؛ أي نحن قاصدون نحوك؛ ومنه ولا آمين البيت الحرام .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية