الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                107 ص: حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا وهب ، قال: ثنا عبد الرحمن بن حرملة ، أنه سمع أبا ثفال المري يقول: سمعت رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب يقول: حدثتني جدتي أنها سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله يقول: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". .

                                                التالي السابق


                                                ش: شيخ الطحاوي وثقه ابن يونس ، وعفان بن مسلم روى له الجماعة، ووهيب بن خالد روى له الجماعة، وعبد الرحمن بن حرملة المري روى له مسلم ، وأبو ثفال -بكسر الثاء المثلثة بعدها الفاء وضبطه الدارقطني بضم الثاء- واسمه ثمامة بن وائل المري الشاعر ، قال البخاري : في حديثه نظر، روى له الترمذي وابن ماجه ، والمري -بضم الميم وتشديد الراء- نسبة إلى مرة بن غطفان

                                                ورباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بن عبد العزيز القرشي العامري المدني قاضيها ، روى له الترمذي وابن ماجه هذا الحديث.

                                                وجدة رباح اسمها: أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال: لا أدري ما اسمها.

                                                وأبو جدة رباح هو: سعيد بن زيد ، أحد العشرة المبشرة.

                                                وأخرجه الترمذي عن نصر بن علي وبشر ، كلاهما عن بشر بن المفضل ، عن عبد الرحمن بن حرملة ... إلى آخره نحوه من غير ذكر: "لا صلاة لمن لا وضوء له" .

                                                [ ص: 218 ] وابن ماجه : عن الحسن بن علي الخلال ، عن يزيد بن هارون ، عن يزيد بن عياض ، عن أبي ثفال .. إلى آخره، ولفظه: "لا صلاة لمن لا وضوء له ... " إلى آخره.

                                                وأخرجه الدارقطني : وزاد: "ولا يؤمن بالله من لم يؤمن بي ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار " .

                                                وكذا رواه البيهقي .

                                                وقال ابن قطان في كتاب "الوهم والإيهام": فيه ثلاثة مجاهيل الأحوال; جدة رباح لا يعرف لها اسم ولا حال، ورباح أيضا مجهول الحال، وأبو ثفال كذلك مع أنه أشهرهم.

                                                وقال ابن أبي حاتم في كتاب "العلل": هذا الحديث عندنا ليس بذلك الصحيح، وأبو ثفال مجهول، ورباح مجهول.

                                                وقال أحمد : لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد.

                                                وعن الترمذي : أبو ثفال ليس بالمعروف جدا.

                                                قلت: قوله: أبو ثفال ليس بالمعروف جدا. غير مسلم ; لأن البزار ذكر أنه مشهور.

                                                وعن البخاري : ليس في هذا الباب حديث أحسن عندي من حديث رباح بن عبد الرحمن .

                                                قوله: "لا صلاة" كلمة "لا" لنفي الجنس، وخبرها محذوف، أي: لا صلاة حاصلة لمن لا وضوء له، أي صلاة كانت، وهذا بإجماع المسلمين من السلف والخلف، أن الصلاة لا تصح إلا بالوضوء.

                                                [ ص: 219 ] فإن قلت: قوله: "صلاة" مفرد مقابل المثنى والمجموع، وهو يدل على الوحدة، والاستغراق يدل على الكثرة، فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين.

                                                قلت: لا تنافي بين الاستغراق وإفراد الاسم; لأن "لا" التي لنفي الجنس إنما تدخل على الاسم المفرد حال كونه مجردا عن إرادة معنى الوحدة والكثرة; لأن دلالة اللفظ على المعنى منوطة بالإرادة الجارية على قانون الوضع، وإنما يلزم التنافي لو لم تجرد عن معنى الوحدة وأدخل عليه "لا" وكذلك الجواب في "لام" الاستغراق، ولأن معنى قولنا: "لا صلاة" كل فرد من أفراد الصلاة، لا مجموع الصلاة من حيث هو مجموع، والذي ينافي الإفراد والوحدة هو الثاني، كما في قولك: لا رجل في الدار. كل فرد من أفراد الرجال لا مجموع الرجال.

                                                وقوله: "لا وضوء له" يتناول الوضوء الضمني أيضا، أعني الوضوء الذي يوجد في الاغتسال، بأن اغتسل ولم يتوضأ، ويتناول خلفه الذي هو التيمم; لأنه طهارة في حق عادم الماء.

                                                قوله: "ولا وضوء" عطف على قوله: "لا صلاة".

                                                فإن قيل: إذا كان "ولا وضوء" عطف على "لا صلاة" كان ينبغي ألا يجوز الوضوء بدون ذكر الله كما لا تجوز الصلاة بدون الوضوء.

                                                قلت: نعم، ظاهر الكلام يقتضي ذلك، كما ذهب إليه جماعة، ولكن خرج هذا عن ذلك الحكم بدليل آخر سنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.

                                                واستنبط منه أحكام:

                                                الأول: احتجت به جماعة على فرضية التسمية في الوضوء على ما يجيء مفصلا.

                                                والثاني: قوله: "اسم الله" يتناوله كل اسم -يعني من أسماء الذات والصفات- فظاهره يدل على أنه إذا ذكر الله على الوضوء مطلقا يكون أتى بالوجوب عند من يرى الوجوب، وبالسنة عند من يرى التسمية سنة.

                                                [ ص: 220 ] وقال ابن قدامة في "المغني": وصفتها أن يقول: بسم الله، لا يقوم غيرها من الذكر مقامها؛ لأن التسمية عند الإطلاق تنصرف إلى قول: "بسم الله" بدليل التسمية المشروعة على الذبيحة والطعام وشرب الشراب.

                                                قلت: لفظ الحديث بعمومه ينافي هذا; لأنه لم يقل: لمن لم يذكر لفظة الله; وإنما قال: لمن لم يذكر اسم الله، وأسماء الله كثيرة، بخلاف الذبيحة; لأنهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح، فيجب أن يأتي بلفظة اسم الله; ليكون إظهارا لمخالفيهم في ذلك.

                                                والثالث: لفظ الحديث يدل على أن يكون ذكر اسم الله واقعا على الوضوء لقوله: "عليه" أي على الوضوء، ومعنى وقوعه عليه: أن يكون الوضوء مشمولا به، ولا يكون مشمولا به إلا بتقديم التسمية عليه، ولهذا قال بعضهم: يسمي قبل الاستنجاء؛ لما أن الاستنجاء سنه من سنن الوضوء، فيسمي قبله لتقع جميع أفعال الوضوء، فرضها وسننها بالتسمية.

                                                وقال بعضهم: يسمي بعده; لأن قبله حال انكشاف العورة، وذكر الله تعالى حال كشف العورة غير مستحب; تعظيما لاسم الله تعالى، كذا في مبسوط شيخ الإسلام. وذكر في "فتاوى قاضي خان ": والأصح أنه يسمي مرتين، فلو سمى في أثناء الوضوء ينبغي أن يجزئ; لأنه ذكر اسم الله عليه، ولو سمى بعد فراغه منه لا يجزئ ولا يكون مقيما للتسمية.




                                                الخدمات العلمية