الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                13 ص: حدثنا فهد بن سليمان ، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: ثنا أبو بكر بن عياش ، عن سمعان بن مالك الأسدي ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال: " بال أعرابي في المسجد، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فصب عليه دلو من ماء ثم أمر به فحفر مكانه". .

                                                [ ص: 92 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 92 ] ش: أي حدثنا بما روي عن ابن مسعود : فهد بن سليمان الكوفي نزيل مصر ويحيى بن عبد الحميد الكوفي ، وثقه بعضهم وكذبه آخرون، والحماني -بكسر الحاء- نسبة إلى حمان قبيلة من تميم .

                                                وأبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الحناط -بالنون- مختلف في اسمه فقيل: محمد ، وقيل: عبد الله ، وقيل: اسمه كنيته، وقيل غير ذلك.

                                                وعياش بالياء المشددة آخر الحروف وبالشين المعجمة، وهو من رجال الستة.

                                                وسمعان بن مالك ضعيف.

                                                وأبو وائل اسمه شقيق بن سلمة الأسدي ، روى له الجماعة.

                                                وأخرجه الدراقطني بأتم منه، وقد ذكرناه عن قريب.

                                                فإن قلت: هذا الحديث ضعيف، فكيف يحتجون به في وجوب الحفر؟

                                                قلت: هو عند الطحاوي غير ضعيف، ولئن سلمنا ذلك فإن الحفر قد روي بطريقين مسندين وطريقين مرسلين.

                                                فأما طريقا الإسناد ففي رواية الدارقطني الأولى: عن سمعان بن مالك ، عن أبي وائل ، عن عبد الله .

                                                والثانية : عن عبد الجبار بن العلاء ، عن ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنس : "أن أعرابيا بال في المسجد، فقال - عليه السلام-: احفروا مكانه ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء" .

                                                وأما طريقا الإرسال: فإحداهما: ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن معقل بن مقرن قال: "قام أعرابي إلى زاوية من زوايا المسجد فاكتشف فبال، فقال [ ص: 93 ] النبي - عليه السلام -: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء" رواه عن موسى بن إسماعيل ، نا جرير -يعني ابن حازم - قال: سمعت عبد الملك بن عمير يحدث عن عبد الله بن معقل به، وقال أبو داود : روي متصلا ولا يصح.

                                                والثانية: ما رواه عبد الرزاق من حديث عمرو بن دينار ، عن طاوس ، وقد مر عن قريب.

                                                واعلم أن حديث الأعرابي رواه خمسة من الصحابة وهم أنس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وواثلة بن الأسقع - رضي الله عنهم - وقد أخرج الطحاوي حديثي أنس وابن مسعود وقد ذكرناهما مع بيان من أخرجهما أيضا من الأئمة.

                                                وأما حديث عبد الله بن عباس فرواه الطبراني في "الكبير" وأبو يعلى في "مسنده" والبزار في "مسنده" بإسناد رجاله رجال "الصحيح" إلى ابن عباس أنه قال: "أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فبايعه ثم انصرف فقام (ففشخ) فبال فهم الناس به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تقطعوا على الرجل بوله. ثم دعا به فقال: ألست برجل مسلم؟ قال: بلى. قال: فما حملك على أن بلت في المسجد؟ قال: والذي بعثك بالحق ما ظننت إلا أنه صعيد من الصعدات فبلت فيه. فأمر النبي - عليه السلام - بذنوب من ماء فصب على بوله" .

                                                [ ص: 94 ] وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة ما خلا مسلما .

                                                فقال البخاري : أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن أبا هريرة قال: "قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي - عليه السلام -: دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء -أو ذنوبا من ماء- فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" .

                                                وقال أبو داود : ثنا أحمد بن عمرو بن السرح ، وابن عبدة في آخرين -وهذا لفظ ابن عبدة - قال: أنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة : "أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا. فقال النبي - عليه السلام -: لقد تحجرت واسعا، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع [إليه] الناس، فنهاهم النبي - عليه السلام - وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين; صبوا عليه سجلا من ماء- أو قال: ذنوبا من ماء" .

                                                وقال الترمذي : نا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، قالا: نا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال: "دخل أعرابي المسجد والنبي - عليه السلام - جالس فصلى، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا. فالتفت إليه النبي - عليه السلام - فقال: لقد تحجرت واسعا. فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي - عليه السلام -: أهريقوا عليه سجلا من ماء -أو دلوا من ماء- ثم قال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" .

                                                وقال النسائي : أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، عن عمر بن عبد الواحد ، عن [ ص: 95 ] الأوزاعي ، عن محمد بن الوليد ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة قال: "قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم رسول الله - عليه السلام -: دعوه وأهريقوا على بوله دلوا من ماء; فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" .

                                                وقال ابن ماجه : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا علي بن مسهر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال: "دخل أعرابي المسجد ورسول الله - عليه السلام - جالس، فقال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا. فضحك رسول الله - عليه السلام - وقال: لقد احتظرت واسعا. ثم ولى حتى إذا كان في ناحية المسجد (فثنى) يبول، فقال الأعرابي بعد أن فقه: فقام إلي -بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم - فلم يؤنب ولم يسب فقال: إن هذا المسجد لا يبال فيه، وإنما بني لذكر الله وللصلاة، ثم أمر بسجل من ماء فأفرغ على بوله" .

                                                وأما حديث واثلة بن الأسقع فأخرجه ابن ماجه وقال: نا أبو حاتم محمد بن عبد الله الأنصاري وهو من حديث أبي بكر بن الأصفهاني ، نا محمد بن يحيى ، نا محمد بن عبد الله ، عن عبيد الله الهذلي – قال محمد بن يحيى: هو عندنا ابن أبي جميلة – أنا أبو المليح الهذلي ، عن واثلة بن الأسقع قال: "جاء أعرابي إلى النبي - عليه السلام - فقال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتك إيانا أحدا. فقال: لقد حظرت واسعا، ويحك -أو ويلك- قال: (فثنى) يبول [فقال أصحاب النبي - عليه السلام -: مه] فقال رسول الله - عليه السلام -: دعوه (فدعا) بسجل من ماء فصبه عليه" .




                                                الخدمات العلمية