الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2162 - مسألة : هل يستعان على أهل البغي بأهل الحرب ؟ أو بأهل الذمة ؟ أو بأهل بغي آخرين ؟ .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 355 ] قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا ، فقالت طائفة : لا يجوز أن يستعان عليهم بحربي ، ولا بذمي ، ولا بمن يستحل قتالهم ، مدبرين - وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وقال أصحاب أبي حنيفة : لا بأس بأن يستعان عليهم بأهل الحرب ، وبأهل الذمة ، وبأمثالهم من أهل البغي ، وقد ذكرنا هذا في " كتاب الجهاد " من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إننا لا نستعين بمشرك } وهذا عموم مانع من أن يستعان به في ولاية ، أو قتال ، أو شيء من الأشياء ، إلا ما صح الإجماع على جواز الاستعانة به فيه : كخدمة الدابة ، أو الاستئجار ، أو قضاء الحاجة ، ونحو ذلك مما لا يخرجون فيه عن الصغار .

                                                                                                                                                                                          والمشرك : اسم يقع على الذمي والحربي .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : هذا عندنا - ما دام في أهل العدل منعة - فإن أشرفوا على الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة ، فلا بأس بأن يلجئوا إلى أهل الحرب ، وأن يمتنعوا بأهل الذمة ، ما أيقنو أنهم في استنصارهم : لا يؤذون مسلما ولا ذميا - في دم أو مال أو حرمة مما لا يحل .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : قول الله تعالى { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وهذا عموم لكل من اضطر إليه ، إلا ما منع منه نص ، أو إجماع .

                                                                                                                                                                                          فإن علم المسلم - واحدا كان أو جماعة - أن من استنصر به من أهل الحرب ، أو الذمة يؤذون مسلما ، أو ذميا فيما لا يحل ، فحرام عليه أن يستعين بهما ، وإن هلك ، لكن يصبر لأمر الله تعالى - وإن تلفت نفسه وأهله وماله - أو يقاتل حتى يموت شهيدا كريما ، فالموت لا بد منه ، ولا يتعدى أحدا أجله .

                                                                                                                                                                                          برهان هذا : أنه لا يحل لأحد أن يدفع ظلما عن نفسه بظلم يوصله إلى غيره - هذا ما لا خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                          وأما الاستعانة عليهم ببغاة أمثالهم - فقد منع من ذلك قوم - واحتجوا بقول الله تعالى { وما كنت متخذ المضلين عضدا } .

                                                                                                                                                                                          وأجازه آخرون - وبه نأخذ ; لأننا لا نتخذهم عضدا ، ومعاذ الله ، ولكن نضربهم بأمثالهم صيانة لأهل العدل كما قال الله تعالى { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا } [ ص: 356 ] وإن أمكننا أن نضرب بين أهل الحرب من الكفار ، حتى يقاتل بعضهم بعضا ، ويدخل إليهم من المسلمين من يتوصل بهم إلى أذى غيرهم ، بذلك حسن .

                                                                                                                                                                                          وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إن الله ينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم } كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني عمران بن بكار بن راشد ثنا أبو اليمان نا شعيب - هو ابن أبي حمزة - عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب نا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر } .

                                                                                                                                                                                          وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سهل بن عسكر ثنا عبد الرزاق أنا رياح بن زيد عن معمر بن راشد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم . }

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فهذا يبيح الاستعانة على أهل الحرب بأمثالهم ، وعلى أهل البغي بأمثالهم من المسلمين الفجار الذين لا خلاق لهم .

                                                                                                                                                                                          وأيضا - فإن الفاسق مفترض عليه من الجهاد ، ومن دفع أهل البغي ، كالذي افترض على المؤمن الفاضل ، فلا يحل منعهم من ذلك ، بل الفرض أن يدعو إلى ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية