الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2037 مسألة : قال علي : نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب أنه قال : في الأنف الدية .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى وكيع نا إسرائيل عن جابر عن الشعبي قال في العرنين الدية وبه إلى وكيع نا سلام عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : في المارن الدية .

                                                                                                                                                                                          وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه قال : في الإنسان خمس ديات : الأنف ، واللسان ، والذكر ، والصلب ، والفؤاد .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 49 ] ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عكرمة قال في الروثة النصف قال عبد الرزاق : أحسبه ذكره عن عمر .

                                                                                                                                                                                          وعن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، ومكحول قال في روثة الأنف ثلث الدية .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول : في الروثة الثلث ، فإذا بلغ من المارن العظم فالدية وافية ، فإن أصيب من الروثة الأرنبة ، أو غيرها لم يبلغ العظم فبحساب الروثة .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن جريج عن سليمان بن موسى أن عمر بن عبد العزيز قال : في الأنف إذا أوعى جدعه الدية كاملة ، فما أصيب من الأنف دون ذلك فبحساب ذلك .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبيه عن الشعبي قال : ما ذهب من الأنف فبحسابه .

                                                                                                                                                                                          نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن مكحول أنه قال : في روثة الأنف ثلث دية الأنف ، وفي الجنابتين إذا خرمتا - ثم لم تلتئما - في كل واحد منهما ثلث دية الأنف ، وفي الروثة ثلث دية الأنف ، وفي قصبة الأنف إذا انكسرت - ثم انجبرت - ثلاثة أبعرة .

                                                                                                                                                                                          نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عثمان بن سليمان أن عبدا كسر إحدى قصبتي أنف رجل ، فرفع ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فقال عمر : وجدنا في كتاب لعمر بن الخطاب أيما عظم كسر ثم جبر كما كان ففيه حقتان ، فراجعه ابن سراقة ؟ فقال : أيما كسر أخذ من القصبتين ؟ فأبى عمر إلا أن يجعل فيه الحقتين .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : إن كسر الأنف كسرا يكون شينا ، فسدس ديته ، وإن كان المنخران منهما الشين ، فثلث دية المنخرين ، وإن كان مارن الأنف مهبورا هبرة ، فله ثلث الدية ، وإن كان مهشوما [ ص: 50 ] ملتطيا يبح صوته كالعين ، فنصف الدية لعينيه ، وبحه خمسمائة دينار ، فإن كان ليس فيه عيب ، ولا غش ، ولا ريح توجد منه ، فله ربع الدية ، فإن أصيب قصبة الأنف فجافت ، وفيه شين - ولا ريح ولا يوجد ريح شيء - فالدية مائة وخمسة وعشرون دينارا - وإن ضرب أنفه فبرأ - غير أنه لا يجد ريحا طيبة ولا ريح شيء - فله عشر الدية .

                                                                                                                                                                                          سمعت مولى لسليمان بن حبيب يحدث قال : قضى سليمان بن حبيب في الأنف إذا وثن بعشرة دنانير ، وإذا كسر بمائة دينار .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى ابن جريج قال : قلت لعطاء في الأنف جائفة ؟ قال : نعم ، قال ابن جريج : وأخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول : في جائفة الأنف ثلث الدية فإن نفذت فالثلثان - وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن عطاء الخراساني : في الأنف إذا خرم مائة دينار .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فحصل من هذا عن علي أن في الأنف الدية - وكذلك عن الشعبي - وعن عمر بن عبد العزيز - وعن ابن قسيط وعن إبراهيم ، ومجاهد في المارن الدية - وهو كل ما دون العظم وعن عمر بن عبد العزيز في المارن ثلث دية الأنف وعن الشعبي في العرنين الدية - وهو ما دون المارن . وعن مجاهد في الروثة الثلث - وهي دون العرنين - وهو قول ابن حنبل وإسحاق ، وقتادة - وفي الأرنبة بحساب ذلك - وهو طرف الأنف وعن مجاهد ومكحول في الروثة ثلث الدية ، وفي خرم جنبتي الأنف إذا لم يلتئما في كل واحد من الخرمين ثلث دية الأنف وعن مكحول ، وإسحاق في الوترة ثلث دية الأنف - وهي الحاجزة بين ثقبتي [ ص: 51 ] الأنف - وفي قصبة الأنف إذا كسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة .

                                                                                                                                                                                          وعن عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز في ذلك بعيران حقتان - وفي كسر الثنيتين عن عمر بن عبد العزيز سدس دية الأنف ، فإن كان في كلا المنخرين ، فثلث دية الأنف - وفي هشم الأنف حتى يكون لاطيا يبح صوته نصف دية النفس ، وإن لم يكن فيه ريح منتنة ولا رشح ، فربع دية النفس - وفي جائفته عشر دية وربع عشر دية - وفي جائفة الأنف عن مجاهد ثلث دية النفس ، فإن نفذت فالثلثان وعن عطاء الخراساني في خرم الأنف عشر الدية .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك فيما دون المارن من كل ما ذكرنا حكم وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وكل هذا لا يصح منه شيء ، والذي نقول به - وبالله تعالى التوفيق - : إنه لا سبيل إلى أن يوجد في هذا خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا ، فقد بحث عنه البحاث من أقصى خراسان إلى أدناها ، وأهل فارس ، وأصبهان ، وكرمان ، وسجستان والسند ، والجبال ، والري ، والعراق ، وبغداد ، والبصرة ، والكوفة ، وسائر مدنها ، وأذربيجان وأرمينية ، والأهواز ، ومكة ، والمدينة ، واليمن ، والجزيرة ، ومصر ، والشام ، والأندلس - : فما وجدوا شيئا مذ أربعمائة عام وأربعين سنة - غير ما ذكرنا مما لا يصح عند أحد من أهل العلم بالحديث ، فبطل أن يكون هنا خبر ثابت تقوم به الحجة ، ولا قرآن في ذلك أصلا ، ونحن نوقن أن الله تعالى قد أقام الحجة من القرآن والسنن وأوضح الإجماع إيضاحا لا يخفى على أحد من مبتداه إلى منتهاه ، وهذه الصفة معدومة هاهنا

                                                                                                                                                                                          قال علي : فقولنا هاهنا - الذي ندين الله تعالى به ونلقاه عليه - أنه لو صح عندنا في ذلك أثر لقلنا به ، ولما خالفناه ، ولو صح عندنا في ذلك إجماع لقلنا به ، ولما ترددنا في الطاعة له .

                                                                                                                                                                                          فإذ لا سنة في ذلك ، ولا إجماع ، فليس فيه إلا القود في العمد ، أو المفاداة ، ولا شيء في الخطأ ، لقول الله تعالى { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية