الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
38 - [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان [الفسوي ] ببغداد ، ثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان [الفسوي ] قال : سمعت علي بن الحسن بن شقيق قال : قلت لابن المبارك : ما الذي لا يسع المؤمن [من ] تعليم العلم إلا أن يطلبه ؟ وما الذي يجب عليه أن يتعلمه ؟ قال : لا يسعه أن يقدم على شيء إلا بعلم ، ولا يسعه حتى يسأل ] .

قال أبو عمر : قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ [ ص: 57 ] في [خاصة نفسه ] ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع . واختلفوا في تلخيص ذلك ، والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو الشهادة باللسان والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له ، [ولا شبه له ، ولا مثل له ] ، ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) خالق كل شيء وإليه [يرجع ] كل شيء ، المحيي المميت الحي الذي لا يموت ، [عالم الغيب والشهادة ، هما عنده سواء ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن ] ، [والذي عليه جماعة أهل السنة ] [والجماعة ] [أنه لم يزل بصفاته وأسمائه ] ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء ، وهو على العرش استوى .

والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله ، وخاتم أنبيائه حق ، وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال ، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة ، ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق .

وأن القرآن كلام الله ، وما فيه حق من عند الله [يلزم ] الإيمان بجميعه ، [ ص: 58 ] واستعمال محكمه .

وأن الصلوات الخمس [فريضة ] ويلزمه من علمها [علم ] ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها .

وأن صوم رمضان فرض ، ويلزمه علم ما يفسد صومه ، وما لا يتم إلا به .

وإن كان ذا مال وقدرة على الحج لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة ، ومتى [تجب ] ، وفي كم تجب . [ولزمه ] أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع [السبيل إليه ] إلى أشياء يلزمه معرفة جملها ولا يعذر بجهلها نحو تحريم الزنا ، وتحريم الخمر ، وأكل الخنزير ، وأكل الميتة ، والأنجاس كلها . والسرقة ، والربا ، والغصب ، والرشوة [في ] الحكم ، والشهادة بالزور ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وبغير طيب من أنفسهم ؛ [إلا ] إذا كان شيئا لا يتشاح فيه ولا يرغب في مثله ، وتحريم الظلم كله ؛ [وهو [كل ما ] منع الله عز وجل منه ورسوله صلى الله عليه وسلم ] . وتحريم نكاح الأمهات [والبنات ] والأخوات ومن ذكر معهن ، وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق ، وما كان مثل هذا كله مما [قد ] نطق [به الكتاب ] ، وأجمعت الأمة عليه ، ثم سائر العلم [وطلبه والتفقه فيه ، وتعليم الناس إياه وفتواهم به في مصالح دينهم ودنياهم ] ، والحكم به بينهم فرض [ ص: 59 ] على الكفاية ، يلزم الجميع فرضه ، فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين بموضعه ، لا خلاف بين العلماء في ذلك ، وحجتهم فيه قول الله عز وجل ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) فألزم النفير في ذلك البعض دون الكل ، [ثم ينصرفون ] ، فيعلمون غيرهم ، والطائفة في لسان العرب : الواحد فما فوقه .

[وكذلك ] الجهاد فرض على الكفاية لقول الله عز وجل : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله . . . ) إلى قوله : ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا [عظيما ] ) ففضل المجاهد ولم يذم المتخلف ، والآيات في فرض الجهاد كثيرة جدا ، وترتيبها مع الآية التي ذكرنا على حسب ما وصفنا عند جماعة أهل العلم ، فإن أطل العدو بلدة لزم الفرض حينئذ جميع أهلها ، وكل من قرب منها ؛ إن علم ضعفها عنه ، [وأمكنه ] نصرتها لزمه فرض ذلك أيضا .

قال أبو عمر : ورد السلام عند أصحابنا من هذا الباب فرض على الكفاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

التالي السابق


الخدمات العلمية