الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبالجملة: كل مضل وداع إلى سبيل غير سبيل الإسلام الذي درج عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، داخل في هذا الخبر من بدء زمان النبوة إلى آخر أيام الدنيا، كائنا من كان، وفي أي مكان وزمان كان، وسواء كان من الذين يعرفون من أهل العلم، أو من الجهلاء السفهاء عبيد الدينار والدرهم. ألا ترى هذا الرجل المشار إليه كيف بلغ في الجهل منتهاه، وهو يزعم أنه نبي للطائفة النيفرية، والحمقاء، الذين لا عقل لهم ولا دين يصغون إلى كلامه، ويمشون على قدمه؛ طلبا لثروة الدنيا، ودخلا في مجالس الولاة الرؤساء. فما أصدق هذا الخبر على هؤلاء النتنى!

وهذا الخبر نص في كون نبينا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الرسل أجمعين، وأنه لا نبي بعده أبدا أصلا، ويؤيده قوله تعالى: ولكن رسول الله وخاتم النبيين [الأحزاب: 40]. ومن كمال فضل الله تعالى على هذه الأمة المرحومة أن كل من ادعى نبوة أو رسالة في قطر من الأقطار، أو أفق من الآفاق، لم تنفق دعواه، وقام جمع من [ ص: 83 ] العباد المخلصين لردها، حتى جاء الحق، وزهق الباطل، وسطع نور الإسلام، واضمحل الكفر في كل مقام.

انظر إلى هذا الرجل المتنبي كيف ردوا عليه حتى أفحموه، ولكن إذا لم يستح أحد، فليفعل ما شاء، وليقل ما أراد، و إن ربك لبالمرصاد [الفجر: 14].

«ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله» رواه أبو داود، والترمذي، وفي معناه أحاديث آخر الأيام من الدنيا الفانية، وعلى أن أهله لا يزالون على الحق الحقيق بالاتباع، ظاهرين على أهل الباطل والضلال، لا يصل إليهم ممن خالفهم ضرر ولا نقص. وهذا أيضا معجزة ظاهرة، وآية باهرة لقوم يؤمنون، وجماعة يفهمون الشرائع ويعقلون، وقد كان كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وسيكون فيما بعد، ولله الحمد.

ألا ترى علماء الكتاب والسنة كيف ظهروا في كل عصر ومكان من الدنيا على كل من خالفهم، فغلبوا على أعداء الله تعالى، وهزموهم؟ وكان حقا علينا نصر المؤمنين [الروم: 47]. وهم في كل زمان مع قلة العدد والعدد، وكثرة العدد والكمد سائرون دائرون، يناظرهم أهل الشرك تارة، والمبتدعة من المقلدة وغيرهم تارة، والدهرية والفرقة الضالة آونة، والإمامية الرافضة، والهنود الكفرة أخرى. وهم يجيبون كل واحدة من هذه الطوائف الباطلة الجامدة على الضلالة، جوابا شافيا، ويردون عليها ردا مشبعا، ويذبون عن الشريعة الحقة ذبا كاملا.

ألا ترى أبناء هذا الزمان من مقلدة المذاهب؟ لا سيما هؤلاء الحنفية الساكنة في مدائن الهند كيف غلوا في إثبات تقليد الإمام، وجاؤوا له بكل حشيش؟ ولا يزال جمع منهم يؤلف رسائل، ويسود قراطيس في رد العاملين بالكتاب والسنة، والمتمسكين بها، عداوة للإسلام العتيق، وإذاعة لبدعتهم في كل فريق، [ ص: 84 ] ولكن الله ينصر عبده، ويهزم الأحزاب وحده، وينجز وعده، فلا يضره من خالفه، بل يزيد كل يوم شأن الموحدين، ويكثر عددهم في العالمين. والمقلدة، هم الأذلون، وإن جندنا لهم الغالبون [الصافات: 173].

وعن أبي الطفيل، قال: سئل علي -رضي الله عنه-: هل خصكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء؟ أي: من أمر ظاهر أو باطن، فقال: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس، إلا ما في قراب سيفي هذا. القراب - بالكسر -: وعاء يكون فيه السيف. فأخرج صحيفة، فيها: «لعن الله من ذبح لغير الله» الحديث رواه مسلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية