الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والترمذي وحسنه ، والنسائي والبيهقي والضياء المقدسي عن ابن عباس وابن جرير والبيهقي من وجه آخر عنه ، وابن جرير عن ابن مسعود وأبو يعلى وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب ، والترمذي وصححه والطبراني عن نيار- بنون مكسورة فمثناة تحتية مخففة- ابن مكرم- بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء - وابن عبد الحكم في فتوح مصر ، وابن أبي حاتم عن ابن شهاب ، وابن جرير عن عكرمة : أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض ، وأدنى الأرض يومئذ أذرعات بها التقوا ، فهزمت الروم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو بمكة ، فشق ذلك عليهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم ، وفرح الكفار بمكة وشمتوا ، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنكم أهل كتاب وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب ، وإنكم إذا قاتلتمونا لنظهرن عليكم .

                                                                                                                                                                                                                              فأنزل الله تعالى : الم [الروم 1 : 6] الله أعلم بمراده به غلبت الروم وهم أهل كتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان في أدنى الأرض أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة ، التقى فيها الجيشان والبادئ بالغزو الفرس .

                                                                                                                                                                                                                              وهم أي الروم من بعد غلبهم أضيف المصدر إلى المفعول ، أي غلبة أهل فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين هو ما بين الثالث إلى التسع أو العشر ، فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس .

                                                                                                                                                                                                                              لله الأمر من قبل ومن بعد من قبل غلب الروم ومن بعده . المعنى أن غلبة فارس أولا وغلبة الروم ثانيا بأمر الله أي بإرادته ، ويومئذ أي يوم يغلب الروم يفرح المؤمنون بنصر الله إياهم على فارس ، وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر ونزول جبريل بذلك مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه ينصر من يشاء نصرته وهو العزيز الغالب الرحيم بالمؤمنين وعد الله مصدر بدل من اللفظ بفعله والأصل وعدهم الله النصر لا يخلف الله وعده به ولكن أكثر الناس كفار مكة لا يعلمون وعده تعالى بذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فلما نزلت هذه الآيات قال المشركون لأبي بكر : ألا ترى إلى ما يقول صاحبك؟ يزعم أن الروم تغلب فارس . قال : صدق صاحبي . وفي رواية : فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا ولا يقر الله عينكم فوالله ليظهرن الروم [ ص: 427 ] على فارس . أخبرنا بذلك نبينا فقام إليه أبي بن خلف فقال : كذبت . فقال أبو بكر : أنت أكذب يا عدو الله . قال : أناحبك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين .

                                                                                                                                                                                                                              ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الأجل . فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال : لعلك ندمت؟ قال : لا . قال تعالى أزيدك في الخطر وأمادك في الأجل فأجعلها مائة قلوص بمائة قلوص إلى تسع سنين . قال فعلت . وذلك قبل تحريم الرهان ، فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه ولزمه وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم كفيلا فكفله ابنه عبد الله . فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر وقال له : لا والله لا أدعك تخرج حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا . فخرج إلى أحد ثم رجع إلى مكة وبه جراحة جرحه النبي صلى الله عليه وسلم حين بارزه يوم أحد فمات منها بمكة ، وظهرت الروم على فارس فغلب أبو بكر أبيا وأخذ الخطر من ورثته ، فجاء يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا سحت تصدق به
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية