الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1620 1617 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب ، أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة ، حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه ، فنزي في جرحه فمات ، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب ، فذكر ذلك له ، فقال له عمر : اعدد على ماء قديد ، عشرين ومائة بعير ، حتى أقدم عليك ، فلما قدم إليه عمر بن الخطاب ، أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة ، وثلاثين جذعة ، وأربعين خلفة ، ثم قال : أين أخو المقتول ؟ قال : هأنذا ، قال : خذها ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس لقاتل شيء " .

                                                                                                                        [ ص: 198 ] 37672 - قال أبو عمر : هذا الحديث مشهور عند العلماء ، مروي من وجوه شتى ، إلا أن بعضهم يقول فيه : قتادة المدلجي ، كما قال مالك ، ويحيى بن سعيد ومنهم من يقول فيه : عرفجة المدلجي والأكثر يقولون : قتادة ، وهو الصحيح ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        37673 - ومنهم من يجعل قتله لابنه عمدا ، ويجعل الدية في ماله .

                                                                                                                        37674 - ومنهم من قال : هو شبه العمد ، ولذلك جعل عمر فيه الدية مغلظة .

                                                                                                                        37675 - ورواه بعضهم عن عمرو بن شعيب ، بمثل معنى . . . . . مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب سواء ، إلا أنهم قالوا بعد قوله : وأربعين خلفة ، ثم دعا أم المقتول وأخاه ، فدفعها إليهما ، ثم قال عمر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يرث القاتل شيئا ممن قتل " .

                                                                                                                        37676 - واختلف القائلون بأنه شبه عمد ، على من تجب الدية مغلظة فيه ؟

                                                                                                                        [ ص: 199 ] 37677 - فقال بعضهم : في مال الجاني .

                                                                                                                        37678 - وقال بعضهم : على عاقلته .

                                                                                                                        37679 - وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب .

                                                                                                                        37680 - وأما من جعل قتل المدلجي لابنه خطأ ، فقد أعقل ، لأن الدية لا تغلظ على أحد في الخطأ .

                                                                                                                        37681 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني مدلج ، قتل ابنه ، فلم يقده منه عمر بن الخطاب ، وأغرمه ديته ، ولم يورثه منه شيئا ، وورث منه أمه ، وأخاه لأبيه .

                                                                                                                        37682 - قال أبو عمر : هذا أصح إسناد في هذا الخبر .

                                                                                                                        37683 - وقد اختلف الفقهاء في قتل الرجل ابنه عمدا ، هل يقتص منه أم لا ؟

                                                                                                                        37684 - فقال مالك : إذا ذبحه ، قتل به وإن خذفه بسيف أو عصا ، لم يقتل به ، وكذلك الجد .

                                                                                                                        37685 - وهو قول عثمان البتي .

                                                                                                                        37686 - قال عثمان البتي : إذا قتل ابنه عمدا ، قتل به .

                                                                                                                        37687 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي : لا يقاد والد بولده ، ولا الجد بابن الابن .

                                                                                                                        37688 - وقال الحسن بن حي : يقاد الجد بابن الابن ، وتجوز شهادته له ، ولا يقاد الأب بالابن ، ولا تجوز شهادته له .

                                                                                                                        [ ص: 200 ] 37689 - قال أبو عمر : أكثر العلماء على أن الأب لا يقتل بابنه ، إذا قتله عمدا ، ويقتل الابن عند الجميع بالأب إذا قتله عمدا .

                                                                                                                        37690 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك نصا من حديث عمر وغيره .

                                                                                                                        37691 - وقد ذكرنا الآثار بذلك في " التمهيد " .

                                                                                                                        37692 - وقد حدثني خلف بن قاسم ، قال حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج ، قال : أخبرنا بشر بن موسى ، قال : حدثني خلاد بن يحيى المقرئ ، عن قيس بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تقام الحدود في المساجد ، ولا يقاد بالولد الوالد " .

                                                                                                                        37693 - قال أبو عمر : اختلاف أصحاب مالك ، في من تلزمه الدية ، في [ ص: 201 ] قتل الأب ابنه عمدا ، كاختلاف سائر العلماء ، على قولين : ( أحدهما ) : يجب على الأب في ماله ، ( والآخر ) : على العاقلة .

                                                                                                                        37694 - فقال ابن القاسم : هي على الوالد .

                                                                                                                        37695 - وقال عبد الملك ، وأشهب ، وسحنون : هي على العاقلة .

                                                                                                                        37696 - واحتج عبد الملك ، بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لسراقة بن مالك : اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير ، وليس سراقة بالأب ، وإنما هو سيد القوم .

                                                                                                                        37697 - قال : فهذا يدل أنها كانت على العاقلة .

                                                                                                                        37698 - وأما قوله ، في حديث مالك : " فنزي في جرحه ، فمات " ، فالمعنى أنه نزى جرحه الذي أصيب به في ساقه إلى نفسه ، فمات وقيل : فمرض من ذلك الجرح مرضا مات منه .

                                                                                                                        37699 - والمراد من اللفظ مفهوم ، وفي اشتقاقه في اللغة فقد يقال : إنه من النزاء ، والنزاء والنقار علة تأخذ المنز ، فيبول الدم ، ويموت من ذلك . والله أعلم .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        الخدمات العلمية