الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1192 37813 - قال مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا ، أنه ليس على النساء والصبيان عقل يجب عليهم أن يعقلوه مع العاقلة فيما تعقله العاقلة من الديات ، وإنما يجب العقل على من بلغ الحلم من الرجال .

                                                                                                                        37814 - وقال مالك في عقل الموالي تلزمه العاقلة إن شاؤوا ، وإن أبوا كانوا [ ص: 220 ] أهل ديوان أو مقطعين ، وقد تعاقل الناس في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي زمان أبي بكر الصديق ، قبل أن يكون ديوان ، وإنما كان الديوان في زمان عمر بن الخطاب ، فليس لأحد أن يعقل عنه غير قومه ومواليه لأن الولاء لا ينتقل ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الولاء لمن أعتق " .

                                                                                                                        37815 - قال مالك : " والولاء نسب ثابت " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        37816 - قال أبو عمر : أما اختلاف العلماء في العواقل ، فقول مالك ما ذكره في موطئه .

                                                                                                                        37817 - وقال ابن القاسم عنه : الدية على العواقل ، على الغني قدره ومن دونه قدره ، حتى يصيب الرجل منهم درهما من مائة درهم وأكثر .

                                                                                                                        37818 - وحكي عنه ، أن ذلك يؤخذ من أعطياتهم .

                                                                                                                        37819 - وقال الثوري : تعقل العاقلة الدية في ثلاث سنين ؛ أولها العام الذي أصيب فيه وتكون الأعطية على الرجال .

                                                                                                                        37820 - وقال الشافعي : العقل على ذوي الأنساب دون أهل الديوان والخلفاء ، على الأقرب فالأقرب من بني أبيه ، ثم من بني جده ، ثم من بني جد أبيه ، فإن عجزوا عن البعض ، حمل عنهم الموالي المعتقون ، فإن عجزوا عن بعض ولهم عواقل عقلتهم عواقلهم ، فإن لم يكن لهم ذو نسب ، ولا مولى أعلى من الموالي ، حمل المولى من أسفل ، ويحمل من كثر ماله نصف دينار ، ومن كان دون ذلك ربع [ ص: 221 ] دينار ، لا يزاد على هذا ولا ينقص منه .

                                                                                                                        37821 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : الدية في قتل الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ، من يوم يقضى بها ، والعاقلة أهل ديوانه ، فإن كان من أهل الديوان ، يؤخذ ذلك من أعطياتهم ، حتى يصيب الرجل من الدية منهم ، كلها أربعة دراهم ، أو ثلاثة دراهم ، فإن أصابه أكثر من ذلك ، ضم إليها أقرب القبائل إليهم في النسب من أهل الديوان ، وإن كان القاتل ليس من أهل الديوان ، فرضت الدية على عاقلته ، الأقرب فالأقرب ، في ثلاث سنين ، من يوم يقضي بها القاضي ، فيؤخذ في كل سنة ثلث الدية ، عند رأس كل حول ، ويضم إليهم أقرب القبائل منهم في النسب ، حتى يصيب الرجل من الدية ثلاثة دراهم أو أربعة .

                                                                                                                        37822 - وقال محمد بن الحسن : يعقل عن الحليف حلفاؤه ، ولا يعقل عنه قومه .

                                                                                                                        37823 - وقال عثمان البتي : ليس أهل الديوان أولى بها من سائر العاقلة .

                                                                                                                        37824 - قال أبو عمر : أجمع العلماء ، قديما وحديثا ، أن الدية على العاقلة ، لا تكون إلا في ثلاث سنين ، ولا تكون في أقل منها .

                                                                                                                        37825 - وأجمعوا أنها على البالغين من الرجال .

                                                                                                                        37826 - وأجمع أهل السير والعلم بالخبر ، أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة ، فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام ، وكانوا يتعاقلون بالنظرة ، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك ، حتى جعل عمر الديوان .

                                                                                                                        [ ص: 222 ] 37827 - واتفق الفقهاء على رواية ذلك ، والقول به ، وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في زمن أبي بكر ديوان ، وأن عمر جعل الديوان ، وجمع به الناس ، وجعل أهل كل جند يدا ، وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو .

                                                                                                                        37828 - وحد الكوفي ، والشافعي ، في مقدار ما يحمل الواحد من العاقلة من الدية ، ما تقدم ذكره عنهما .

                                                                                                                        37829 - ولم يحد مالك في ذلك حدا ، وذلك عنده على حسب طاقة العاقلة وغناها وفقرها ، يحمل الواحد من ذلك ما لا يضر به ، وما يسهل من درهم إلى مائة وأزيد ، إذا سهل ذلك عليه .

                                                                                                                        37830 - واتفق جمهور أهل الحجاز ، على أن العاقلة القرابة من قبل الأب ، وهم العصبة دون أهل الديوان .

                                                                                                                        37831 - وقضى عمر بن الخطاب ، على علي بن أبي طالب ، أن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب دون ابنها الزبير ، وقضى بميراثهم للزبير - رضي الله عنه - وقضى على سلمة بن نعيم ، إذ قتل مسلما ، فظنه كافرا ، بالدية عليه ، وعلى قومه .

                                                                                                                        37832 - وقال الكوفيون : القريب والبعيد سواء في من يقدم الدية العاقلة من العصبة .

                                                                                                                        [ ص: 223 ] 37833 - وقال الشافعي : الأقرب فالأقرب ، على منازلهم في التعصب ، حتى ينتهي الأمر إلى الأقصى ، على ما قدمنا عنه .

                                                                                                                        37834 - وروى ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل بطن عقوله . وقال : " لا يتولى مولى قوما إلا بإذنهم " .

                                                                                                                        37835 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : " مولى القوم منهم " .

                                                                                                                        37836 - وقال - صلى الله عليه وسلم - " الولاء كالنسب " .

                                                                                                                        37837 - وأما قول محمد بن الحسن ، أن الحليف يعقل عن حليفه ، فاحتج له الطحاوي بحديث جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية ، فلم يزده الإسلام إلا شدة " .

                                                                                                                        37838 - ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للمشرك الذي ربطه في سواري المسجد : " أحبسك بجزيرة حلفائك " .

                                                                                                                        37839 - وقد ذكرنا من معاني هذا الباب كثيرا فيما تقدم ، والحمد لله كثيرا ، وذكرنا مسائل منه اختلف فيها أصحابمالك ، في كتاب اختلافهم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية