الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                455 ص: وقد رويت آثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تخالف ذلك، فمنها: ما حدثنا يونس، قال: نا سفيان ، عن محمد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه: " أنه سأل النبي - عليه السلام - أفي مس الذكر وضوء؟ قال: لا".

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد رويت أحاديث عن رسول الله - عليه السلام - تخالف ما روي من إيجاب الوضوء من مس الفرج، ولما ذكر ما يحتج به أهل المقالة الأولى من الأحاديث وأجاب عنها، شرع يذكر ما يحتج به أهل المقالة الثانية، فمن جملة حججهم: حديث قيس بن طلق ، عن أبيه، عن النبي - عليه السلام -.

                                                أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن جابر بن سيار اليمامي الأعمى -فيه مقال- عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن علي بن المنذر الحنفي اليمامي الصحابي - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن ماجه : نا علي بن محمد، نا وكيع، نا محمد بن جابر، قال: سمعت قيس بن طلق الحنفي، عن أبيه قال: "سمعت رسول الله - عليه السلام - سئل عن مس الذكر، فقال: ليس فيه وضوء، إنما هو منك".

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : عن موسى بن داود ، عن محمد بن جابر ... إلى آخره نحوه.

                                                واعلم أن حديث طلق صحيح وإن كان هذا الطريق فيه مقال؛ لأنه روي من غير وجه، وقال أبو داود: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - عليه السلام - وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك، وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب.

                                                [ ص: 111 ] وقال ابن حزم في "المحلى" بعد أن ذكر حديث طلق بن علي قال علي: وهذا خبر صحيح.

                                                ولكن ادعى أنه منسوخ كما ادعى الطبراني والبيهقي وصاحب "المغني" وهذه الدعوى غير صحيحة، وقد بينا فسادها عن قريب.

                                                فإن قيل: قد ذكر البيهقي عن ابن معين أنه قال: قد أكثر الناس في قيس بن طلق ولا يحتج بحديثه.

                                                قلت: قد ذكر البيهقي ذلك بسند فيه محمد بن الحسن النقاش المفسر، وهو من المتهمين بالكذب.

                                                وقال البرقاني: كل حديثه مناكير، وليس في تفسيره حديث صحيح.

                                                وروى النقاش كلام ابن معين هذا عن عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي ، وعبد الله هذا قال فيه ابن عدي: كان متهما في روايته عن قوم أنه لم يلحقهم.

                                                وقد ذكر ابن أبي حاتم أن ابن معين وثق قيسا بخلاف ما ذكر عنه في هذا السند الساقط، وصحح حديثه هذا ابن حبان وابن حزم كما ذكرناه.

                                                وذكر ابن منده في كتابه: أن عمرو بن علي الفلاس قال: حديث قيس عندنا أثبت من حديث بسرة.

                                                فإن قيل: ذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال: سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا فيه قبول خبره.

                                                وقد حكى الدارقطني أيضا في "سننه" : عن ابن أبي حاتم أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة. ووهياه ولم يثبتاه.

                                                قلت: هو معروف روى عنه تسعة أنفس ذكرهم صاحب الكمال وهم: عبد الله ابن بدر ، ومحمد بن جابر اليمامي ، وعبد الله بن النعيمان السحيمي ، وعجيبة بن [ ص: 112 ] عبد الحميد بن طلق، وابنه [1\ق125-ب] هوذة بن قيس وأيوب بن عتبة اليمامي ، وموسى بن عمير اليمامي ، وسراج بن عقبة ، وعيسى بن خثيم، ثم قال عبد الغني بعد ذكر هؤلاء: قال يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات" وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في "المستدرك" وروى له أصحاب السنن الأربعة، وأخرج الترمذي من طريق ملازم وقيس هذا حديث "لا وتران في ليلة" وحسنه، وقال عبد الحق: وغير الترمذي يصححه.

                                                فإن قيل: قد روى حديث بسرة جماعة من الصحابة وكثرة الرواية مؤثرة في الترجيح، وحديث طلق بن علي لا يحفظ من طريق يوازي هذه الطرق وهو حديث فرد في هذا الباب.

                                                قلت: كما وجد اختلاف الرواة في حديثها فكذلك وجد في حديث طلق نحو ذلك، ثم إذا وجد للحديث طريق واحد سالم من شوائب الطعن تعين المصير إليه، ولا عبرة باختلاف الباقين، وقد يقال: إن كثرة الرواة لا أثر لها في باب الترجيحات؛ لأن طريق كل واحد منها غلبة الظن؛ فصار كشهادة شاهدين مع شهادة أربعة. وقد يقال: إنبسرة غير مشهورة، لاختلاف الرواة في نسبها؛ لأن بعضهم يقول: هي كنانية، وبعضهم يقول: هي أسدية، ولو سلم عدم جهالتها فليست توازي طلقا في شهرته وكثرة روايته وطول صحبته، وبالجملة فحديث النساء لا يوازي حديث الرجال.

                                                فإن قيل: قد أسند البيهقي عن طلق أنه قدم على النبي - عليه السلام - وهو يبني المسجد قلت: استدل بذلك على أن حديثه متقدم ليثبت كونه منسوخا، وفي سنده هذا محمد بن جابر وهو ضعيف وقد ضعفه هو أيضا في بابه، وأيضا فقد اختلف عليه، فرواه البيهقي عنه عن قيس بن طلق عن أبيه، وأخرجه الحازمي في الناسخ والمنسوخ عنه عن عبد الله بن بدر عن طلق .




                                                الخدمات العلمية