الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                432 433 434 435 436 437 438 ص: فإن قالوا: فقد روى هذا الحديث أيضا هشام بن عروة عن أبيه، وهشام فليس ممن يتكلم في روايته بشيء، ثم ذكروا في ذلك ما حدثنا ابن أبي عمران قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: أنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال: "سألني مروان عن مس الذكر، فقلت: لا وضوء فيه. فقال مروان: : فيه الوضوء ... ".

                                                [ ص: 89 ] ثم ذكر مثل حديث أبي بكرة الذي في أول هذا الباب عن حسين بن مهدي، . حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: نا حجاج بن المنهال، قال: نا حماد ، عنه هشام ...... فذكر بإسناده نحوه، غير أنه قال: "فأنكر ذلك عروة".

                                                حدثنا حسين بن نصر قال: نا يوسف بن عدي، قال: نا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ... فذكر مثله بإسناده.

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة، ، عن النبي - عليه السلام - قال: "إذا مس أحدكم ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ". .

                                                حدثنا ابن أبي داود قال: نا يحيى بن صالح، قال: نا ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن مروان ، عن بسرة، ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                قيل لهم: إن هشام بن عروة لم يسمع هذا من أبيه وإنما أخذه من . أبي بكر أيضا، فدلس به عن أبيه.

                                                حدثنا سليمان بن شعيب قال: نا الخصيب بن ناصح، قال: نا همام ، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عروة: " ، . أنه كان جالسا مع مروان ... " ، ثم ذكر الحديث على ما ذكره ابن أبي عمران ، ومحمد بن خزيمة. فرجع الحديث إلى أبي بكر أيضا.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا إيراد من أهل المقالة الأولى، على ما ذكره أهل المقالة الثانية، بيانه: أنكم أثبتم الاضطراب في حديث الزهري عن عروة، وأن الزهري دلس به، وادعيتم عدم إتقان عبد الله بن أبي بكر، فقد سلمنا لكم هذه، ولكن ما تقولون في رواية هشام بن عروة عن أبيه، فإنه روى هذا الحديث عن أبيه [عروة] عن مروان ، عن بسرة، وعن عروة عن بسرة، وهشام ليس ممن يتكلم في روايته بشيء.

                                                [ ص: 90 ] ثم بين الطحاوي رواية هشام عن أبيه من خمس طرق:

                                                الأول: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي ، عن عبيد الله بن محمد ابن حفص التيمي أبي عبد الرحمن البصري ، عن حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ... إلى آخره، وهؤلاء كلهم ثقات.

                                                الثاني: عن محمد بن خزيمة بن راشد البصري ، عن الحجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الطبراني نحوه، نا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، أن مروان بن الحكم قال: "من مس فرجه فليتوضأ. فأنكر ذلك عليه عروة، فقال: يا شرطي، ائت بسرة بنت صفوان فسلها (فأتاها فسألها، فقالت) : سمعت النبي - عليه السلام - يقول: من مس ذكره فليتوضأ".

                                                الثالث: عن حسين بن نصر ، عن يوسف بن عدي ، عن علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ... إلى آخره وهؤلاء كلهم ثقات.

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير" : نا علي عبد العزيز، نا محمد بن سعيد الأصبهاني، أنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال: أخبرني مروان بن الحكم ، عن بسرة بنت صفوان، قالت: قال [1\ق 121-أ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مس أحدكم فرجه فليتوضأ".

                                                قال: فأنكرت عليه، فأرسل إليها بحديثه عن رسول الله - عليه السلام - وأنا حاضر".

                                                الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب ، عن سعيد ابن عبد الرحمن الجمحي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن بسرة ... إلى آخره، وهؤلاء أيضا ثقات.

                                                [ ص: 91 ] وأخرجه البيهقي في "سننه الكبير" : أنا أبو زكريا و [أبو] عبد الرحمن السلمي وغيرهما قالوا: أنا أبو العباس بن يعقوب، نا بحر بن نصر، قال: قرئ على ابن وهب: أخبرك سعيد بن عبد الرحمن ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن بسرة بنت صفوان- قال: وكانت صحبت النبي - عليه السلام -- أن رسول الله - عليه السلام - قال: "إذا مس أحدكم ذكره فلا يصلين حتى يتوضأ".

                                                الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن يحيى بن صالح الوحاظي ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد -بالنون- القرشي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن مروان ، عن بسرة، عن النبي - عليه السلام - وهؤلاء أيضا ثقات.

                                                قوله: "قيل لهم ... " إلى آخره جواب عن الإيراد المذكور، بيانه: أن هشام بن عروة لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة وإنما أخذه من أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، فدلس به عن أبيه، فيكون هذا الطريق أيضا مدلسا، وقال يعقوب بن شيبة: هشام بن عروة ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، وكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه.

                                                وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقا تدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق .

                                                ونقل البيهقي في كتابه "المعرفة" قول الطحاوي: "فإن قالوا قد روى هذا الحديث ... إلى آخره" ثم قال: ونسبه في ذلك -أي نسب هشاما في ذلك- إلى التدليس، وأيش يكون إذا كان يرويه عن أبي بكر ، وأبو بكر ثقة حجة عند كافة أهل العلم بالحديث؟! إنما يضعف الحديث بأن يدخل الثقة بينه وبين من فوقه مجهولا أو ضعيفا، فإذا أدخل ثقة معروفا قامت به الحجة.

                                                [ ص: 92 ] قلت: قد اعترف البيهقي بالتدليس في الحديث المذكور ولكن تحامله على الطحاوي الذي دعاه بأن قال: وأيش يكون إذا كان يرويه عن أبي بكر ... إلى آخره، وكيف يقول البيهقي هذا القول وهو لا يخلصه عن القول بالتدليس، فإنك قد عرفت أن التدليس أن يكون بين الراوي وبين المروي عنه واحد أو أكثر، سواء كان الواسطة ثقة أو ضعيفا، ألا ترى إلى ما مثل ابن الصلاح لصورة التدليس في الإسناد بقوله : مثال: ما روينا عن علي بن خشرم، قال: كنا عند ابن عيينة، فقال: الزهري. فقيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت، ثم قال: الزهري. فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري .

                                                فانظر الواسطة بين ابن عيينة وبين الزهري، وهما إمامان ثقتان: عبد الرزاق ، ومعمر بن راشد، ومع هذا فهو تدليس، وقد عرف أن المدلس غير مقبول ولا محتج به إلا إذا كان بلفظ مبين للاتصال، كما قد وقع في الصحيحين وغيرهما عن قتادة والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم، على أن البيهقي قد قال: أنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا منصور العتكي يقول: سمعت الفضل بن محمد الشعراني، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: حدثني يحيى بن سعيد ، عن شعبة، قال: لم يسمع هشام بن عروة حديث أبيه في مس الذكر. قال: يحيى فسألت هشاما فقال: أخبرني أبي. فهذا شعبة صرح بأن هشاما ما لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة فيكون قول يحيى: "سمع من أبيه" [1\ق121-ب] معارضا لقول شعبة: "إنه لم يسمع أباه" ثم بين الطحاوي تدليس هشام أيضا كتدليس الزهري بقوله: "حدثنا سليمان بن شعيب ... " إلى آخره، ورجاله ثقات.

                                                وسليمان هذا وثقه ابن يونس وغيره.

                                                [ ص: 93 ] والخصيب -بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة- بن ناصح الحارثي نزيل مصر ، وثقه ابن حبان .

                                                وهمام بن يحيى أبو بكر البصري، روى له الجماعة.




                                                الخدمات العلمية