الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة قال مالك من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام يوزن فيؤخذ ربع عشره إلا أن ينقص من وزن عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة وإنما تكون فيه الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله فليس على أهله فيه زكاة قال مالك ليس في اللؤلؤ ولا في المسك ولا العنبر زكاة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          585 587 - ( مالك ، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة ) قال الباجي : يحتمل أن يملكهن ذلك ، ويحتمل أن يزينهن به وهو على ملكه ، والذهب والفضة من الأموال المرصدة للتنمية فتجب فيهما الزكاة ، ولا يخرج عن ذلك إلا بأمرين : الصياغة المباحة واللبس المباح . وقال أبو عمر : ذهب الأئمة الثلاثة وأكثر المدنيين إلى أنه لا زكاة في الحلي ، وقالت طائفة كأبي حنيفة : تجب فيه ، وتأولوا أن عائشة وابن عمر لم يخرجا زكاته ; لأنه لا زكاة في مال يتيم ولا صغير ، وتأولوا في الجواري أن ابن عمر كان يرى أن العبد يملك ولا زكاة على عبد ، وهو تأويل بعيد ، وابن عمر كان لا يزكي ما يحلي به بناته ، وليس في هذا يتيم ولا عبد ، وكان ابن عمر ينكح البنت له على ألف دينار يحليها منه بأربعمائة فلا يزكيه ، واحتجوا بظاهر حديث : " في الرقة ربع العشر " . وحديث : " ليس فيما دون خمس أواق " . وحديث : " الذهب في أربعين دينارا دينار " . ولم يخص حليا من غيره ، وهذا يرده العمل المعمول به في المدينة ويخصصه . وقال أبو عبيد : الرقة ثم العرب الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس ، واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب أو فضة ، فقال : أتعطين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ، فخلعتهما وألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت : [ ص: 152 ] هما لله ولرسوله " . وعن عائشة نحو هذا . وحديث الموطأ بإسقاط الزكاة أثبت إسنادا ، ويستحيل أن تسمع عائشة مثل هذا الوعيد وتخالفه ، ولو صح ذلك عنها علم أنها علمت النسخ ، والأصل المجمع عليه في الزكاة إنما هو الأموال النامية أو المطلوب فيها النماء بالتصرف .

                                                                                                          ( قال مالك : من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة وهو نصاب ) وهو نصاب ( لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام يوزن فيؤخذ ربع عشره إلا أن ينقص من وزن عشرين دينارا عينا ) أي ذهبا خالصا ( أو مائتي درهم ، فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة ) ويعلم من هذا أن وزنه كل عام إذا كان يخرج منه أو نسي وزنه ، أما إذا خرج عنه من غيره ولم ينس وزنه فيكفي علم وزنه أول عام ( وإنما تكون فيه الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس ) كإعداده لعاقبة أو قنية ( فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله فليس على أهله فيه زكاة ) وخالف الشافعي فأوجب فيه الزكاة ( قال مالك : ليس في اللؤلؤ ) وهو مطر الربيع يقع في الصدف ( ولا في المسك ) الطيب المعروف . وفي مسلم مرفوعا : " أطيب الطيب المسك " . ( ولا العنبر زكاة ) لأنها كسائر العروض لا زكاة في أعيانها اتفاقا . واختلف في اللؤلؤ والعنبر حين يخرجان من البحر ، فالجمهور لا شيء فيهما خلافا لقول الحسن البصري فيه الخمس ، ورده البخاري بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل في الركاز الخمس ليس في الذي يصاب في الماء ، أي لأنه لا يسمى لغة ركازا ، قال ابن القصار : ومفهوم الحديث أن غير الركاز لا خمس فيه ولا سيما اللؤلؤ والعنبر ; لأنهما يتولدان من حيوان البحر فأشبها السمك ، وبهذا يرد قول أبي يوسف : في العنبر وكل حلية تخرج من البحر الخمس ، ولابن أبي شيبة : " سئل ابن عباس عن العنبر فقال : إن كان فيه شيء ففيه الخمس " وروى الشافعي والبيهقي وابن أبي شيبة أيضا عن ابن عباس : " ليس العنبر بركاز ، إنما هو شيء دسره البحر " وجمع بينهما بأنه كان يشك فيه ثم تبين له ما جزم به . وقال أبو عمر : أمر الله بإيتاء الزكاة وقال : ( خذ من أموالهم صدقة ) ( سورة التوبة : الآية 103 ) فأخذ - صلى الله عليه وسلم - من بعض الأموال دون بعض ، فعلم أنه تعالى لم يرد جميع الأموال فلا سبيل إلى إيجاب زكاة إلا ما أخذه - صلى الله عليه وسلم - ووقف عليه أصحابه .




                                                                                                          الخدمات العلمية