الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          799 787 - ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم ) ، أو في الحرم ، ( فلا جناح ) - لا إثم - ( عليه ، العقرب ، والفأرة ، والغراب ) ، سمي به لسواده ( وغرابيب سود ) ( سورة فاطر : الآية 27 ) ، وهما لفظتان بمعنى واحد ، والعرب تتشاءم به ; فلذا اشتقوا الغربة ، والاغتراب ، وغراب البين : هو الأبقع ، قال صاحب المجالسة : سمي بذلك ، لأنه بان من نوح لما وجهه إلى الماء ، فذهب ولم يرجع .

                                                                                                          وقال ابن قتيبة : سمي فاسقا لتخلفه عن نوح حين أرسله ليأتيه بخبر أرض ، فترك أمره ، وسقط على جيفة ، وقيل : سمي غرابا لأنه نأى ، واغترب لما نفذه نوح ليختبر أمر الطوفان .

                                                                                                          ( والحدأة ) [ ص: 430 ] بزنة عنبة ، ( والكلب العقور ) من أبنية المبالغة ، أي الجارح المفترس كأسد وذئب ، سماها كلابا لاشتراكها في السبعية ، ونظيره قوله في دعائه على عتيبة : " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ، فافترسه الأسد " وقيل : المراد الكلب المعروف ، واستدل بالحديث على جواز قتل من وجب عليه قتل بقصاص ، أو رجم بزنا ، أو محاربة أو غير ذلك في الحرم ، وأنه يجوز إقامة سائر الحدود فيه سواء جرى موجب القتل والحد في الحرم ، أو خارجه ، ثم لجأ صاحبه إلى الحرم ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وآخرون .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، وطائفة : ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه ، وما فعله خارجه ، ثم لجأ إليه إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم ، بل يضيق عليه ، ولا يكلم ، ولا يجالس ، ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه ، فيقام عليه خارجه ، وما كان دون النفس يقام فيه .

                                                                                                          قال عياض : روي عن ابن عباس ، وعطاء ، والشعبي ، والحكم نحوه ، لكنهم لم يفرقوا بين النفس وما دونها ، وحجتهم قوله تعالى : ومن دخله كان آمنا ( سورة آل عمران : الآية 97 ) ، وحجتنا عليهم هذه الأحاديث لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق ، بل فسقه أفحش لكونه مكلفا ، ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان ، فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الآية ، قال : ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين أنه إخبار عما كان قبل الإسلام ، وعطف على ما قبله من الآيات ، وقيل : آمن من النار ، وقيل : إنها منسوخة بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( سورة التوبة : الآية 5 ) ، وقيل : الآية في البيت ، لا في الحرم ، وقد اتفقوا على أنه لا يقام في المسجد ، ولا في البيت ويخرج منهما ، فيقام عليه خارجه ، لأن المسجد ينزه عن مثل هذا .

                                                                                                          وقالت طائفة : يخرج ويقام عليه الحد ، وهو قول ابن الزبير ، والحسن ، ومجاهد ، وحماد ، وأعاد الإمام الحديث لإفادة أن له فيه شيخا آخر .

                                                                                                          ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، وفي بدء الخلق عن القعنبي كلاهما عن مالك به ، وتابعه إسماعيل بن جعفر ، عند مسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية