[ ص: 245 ] المسألة الحادية عشرة  
لا يكفي في انعقاد الإجماع اتفاق  أهل البيت   ، مع مخالفة غيرهم لهم خلافا  للشيعة   للدليل السابق في المسائل المتقدمة .  
احتج المثبتون بالكتاب والسنة والمعقول :  
أما الكتاب فقوله تعالى : (  إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا      ) أخبر بذهاب الرجس عن أهل البيت " بإنما " ، وهي للحصر فيهم ، وأهل البيت  علي  وفاطمة  والحسن  والحسين     .  
ويدل على هذا أنه لما نزلت هذه الآية أدار النبي عليه السلام الكساء على هؤلاء ، وقال : "  هؤلاء أهل بيتي  
[1]    " والخطأ  [2]    . والضلال من الرجس فكان منتفيا عنهم .  
 [ ص: 246 ] وأما السنة فقوله عليه السلام : "  إني تارك فيكم الثقلين ، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي  [3]    " حصر التمسك بهما فلا تقف الحجة على غيرهما .  
وأما المعقول فهو أن أهل البيت اختصوا بالشرف والنسب ، وأنهم أهل بيت الرسالة ، ومعدن النبوة ، والوقوف على أسباب التنزيل ومعرفة التأويل وأفعال الرسول وأقواله ; لكثرة مخالطتهم له عليه السلام ، وأنهم معصومون عن الخطأ      [ ص: 247 ] على ما عرف في موضعه من الإمامة ، والآية  [4] المذكورة أولا ; فكانت أقوالهم وأفعالهم حجة على غيرهم ، بل قول الواحد منهم ضرورة عصمته عن الخطأ كما في أقوال النبي عليه السلام وأفعاله .  
والجواب عن التمسك بالآية أنها إنما نزلت في زوجات النبي عليه السلام لقصد دفع التهمة عنهن وامتداد الأعين بالنظر إليهن .  
ويدل على ذلك أول الآية وآخرها وهو قوله تعالى : (  يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا      ) إلى قوله : (  وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت      ) ، وقوله عليه السلام : "  هؤلاء أهل بيتي     " لا ينافي كون الزوجات من أهل البيت ويدل عليه الآية المخاطبة لهم بأهل البيت .  
والخبر وهو ما روي عن   أم سلمة  أنها قالت للنبي عليه السلام : " ألست من أهل البيت " قال : " بلى إن شاء الله     "  [5]    .  
فإن قيل : لو كان المراد بقوله : (  ليذهب عنكم الرجس أهل البيت      ) الزوجات لقال : ( عنكن ) .  
قلنا : إنما قال ( عنكم ) لأن أول الآية وإن كان خطابا مع الزوجات ، غير أنه لما خاطبهن بأهل البيت أدخل معهن غيرهن من الذكور  كعلي  والحسن  والحسين  ، فجاء بخطاب التذكير ; لأن الجمع إذا اشتمل على مذكر ومؤنث غلب جمع التذكير ، وصار كما في قوله تعالى في حق زوجة  إبراهيم      : (  فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب   قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب   قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت      ) فكان ذلك عائدا إليها وإلى من حواه بيت  إبراهيم   من ذكر وأنثى .  
 [ ص: 248 ] وعن الخبر أنه من باب الآحاد ، وعندهم أنه ليس بحجة  [6] وإن كان حجة ولكن لا نسلم أن المراد بالثقلين الكتاب والعترة ، بل الكتاب والسنة على ما روي أنه قال : "  كتاب الله وسنتي     " وإن كان كما ذكروه غير أنه أمكن حمله على الرواية عنه عليه السلام وروايتهم حجة ، ويجب الحمل على ذلك جمعا بين الأدلة ، وإنما خصهم بذلك ؛ لأنهم أخبر بحاله من أقواله وأفعاله  [7] 
ثم ما ذكروه معارض بقوله عليه السلام : "  أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "  [8] ، "  عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ     "  [9] ، وبقوله : "  اقتدوا باللذين من بعدي  أبي بكر  وعمر     " ، وبقوله : "  خذوا شطر دينكم عن الحميراء     "  [10] وليس العمل بما ذكرتموه أولى مما ذكرناه .  
وعن المعقول ; أما اختصاصهم بالشرف والنسب فلا أثر له في الاجتهاد واستنباط الأحكام من مداركها ، بل المعول في ذلك إنما هو على الأهلية للنظر والاستدلال ومعرفة المدارك الشرعية وكيفية استثمار الأحكام منها ، وذلك مما لا يؤثر فيه الشرف ولا قرب القرابة .  
وأما كثرة المخالطة للنبي عليه السلام ، فذلك مما يشارك العترة فيه الزوجات ومن كان يصحبه من الصحابة في السفر والحضر من خدمه وغيرهم ، وأما العصمة فلا يمكن التمسك بها لما بيناه في الكتب الكلامية .  
وأما الآية فقد بينا أن المراد بنفي الرجس إنما هو نفي الظنة والتهمة عن زوجات النبي عليه السلام وذلك بمعزل عن الخطأ والضلال في الاجتهاد والنظر في الأحكام الشرعية .  
 [ ص: 249 ] وعلى هذا فقد بطل أن يكون قول الواحد منهم أيضا حجة .  
ويؤيد ذلك أن  عليا  عليه السلام لم ينكر على أحد ممن خالفه فيما ذهب إليه من الأحكام ، ولم يقل له إن الحجة فيما أقول مع كثرة مخالفيه ، ولو كان ذلك منكرا ، فقد كان متمكنا من الإنكار فيما خولف فيه في زمن ولايته وظهور شوكته ; فتركه لذلك يكون خطأ منه ، ويخرج بذلك عن العصمة وعن وجوب اتباعه فيما ذهب إليه .  
				
						
						
