الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 245 ] المسألة الحادية عشرة

          لا يكفي في انعقاد الإجماع اتفاق أهل البيت ، مع مخالفة غيرهم لهم خلافا للشيعة للدليل السابق في المسائل المتقدمة .

          احتج المثبتون بالكتاب والسنة والمعقول :

          أما الكتاب فقوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) أخبر بذهاب الرجس عن أهل البيت " بإنما " ، وهي للحصر فيهم ، وأهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين .

          ويدل على هذا أنه لما نزلت هذه الآية أدار النبي عليه السلام الكساء على هؤلاء ، وقال : " هؤلاء أهل بيتي







          [1] " والخطأ [2] . والضلال من الرجس فكان منتفيا عنهم .

          [ ص: 246 ] وأما السنة فقوله عليه السلام : " إني تارك فيكم الثقلين ، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي [3] " حصر التمسك بهما فلا تقف الحجة على غيرهما .

          وأما المعقول فهو أن أهل البيت اختصوا بالشرف والنسب ، وأنهم أهل بيت الرسالة ، ومعدن النبوة ، والوقوف على أسباب التنزيل ومعرفة التأويل وأفعال الرسول وأقواله ; لكثرة مخالطتهم له عليه السلام ، وأنهم معصومون عن الخطأ [ ص: 247 ] على ما عرف في موضعه من الإمامة ، والآية [4] المذكورة أولا ; فكانت أقوالهم وأفعالهم حجة على غيرهم ، بل قول الواحد منهم ضرورة عصمته عن الخطأ كما في أقوال النبي عليه السلام وأفعاله .

          والجواب عن التمسك بالآية أنها إنما نزلت في زوجات النبي عليه السلام لقصد دفع التهمة عنهن وامتداد الأعين بالنظر إليهن .

          ويدل على ذلك أول الآية وآخرها وهو قوله تعالى : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ) إلى قوله : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) ، وقوله عليه السلام : " هؤلاء أهل بيتي " لا ينافي كون الزوجات من أهل البيت ويدل عليه الآية المخاطبة لهم بأهل البيت .

          والخبر وهو ما روي عن أم سلمة أنها قالت للنبي عليه السلام : " ألست من أهل البيت " قال : " بلى إن شاء الله " [5] .

          فإن قيل : لو كان المراد بقوله : ( ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) الزوجات لقال : ( عنكن ) .

          قلنا : إنما قال ( عنكم ) لأن أول الآية وإن كان خطابا مع الزوجات ، غير أنه لما خاطبهن بأهل البيت أدخل معهن غيرهن من الذكور كعلي والحسن والحسين ، فجاء بخطاب التذكير ; لأن الجمع إذا اشتمل على مذكر ومؤنث غلب جمع التذكير ، وصار كما في قوله تعالى في حق زوجة إبراهيم : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ) فكان ذلك عائدا إليها وإلى من حواه بيت إبراهيم من ذكر وأنثى .

          [ ص: 248 ] وعن الخبر أنه من باب الآحاد ، وعندهم أنه ليس بحجة [6] وإن كان حجة ولكن لا نسلم أن المراد بالثقلين الكتاب والعترة ، بل الكتاب والسنة على ما روي أنه قال : " كتاب الله وسنتي " وإن كان كما ذكروه غير أنه أمكن حمله على الرواية عنه عليه السلام وروايتهم حجة ، ويجب الحمل على ذلك جمعا بين الأدلة ، وإنما خصهم بذلك ؛ لأنهم أخبر بحاله من أقواله وأفعاله [7]

          ثم ما ذكروه معارض بقوله عليه السلام : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " [8] ، " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " [9] ، وبقوله : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " ، وبقوله : " خذوا شطر دينكم عن الحميراء " [10] وليس العمل بما ذكرتموه أولى مما ذكرناه .

          وعن المعقول ; أما اختصاصهم بالشرف والنسب فلا أثر له في الاجتهاد واستنباط الأحكام من مداركها ، بل المعول في ذلك إنما هو على الأهلية للنظر والاستدلال ومعرفة المدارك الشرعية وكيفية استثمار الأحكام منها ، وذلك مما لا يؤثر فيه الشرف ولا قرب القرابة .

          وأما كثرة المخالطة للنبي عليه السلام ، فذلك مما يشارك العترة فيه الزوجات ومن كان يصحبه من الصحابة في السفر والحضر من خدمه وغيرهم ، وأما العصمة فلا يمكن التمسك بها لما بيناه في الكتب الكلامية .

          وأما الآية فقد بينا أن المراد بنفي الرجس إنما هو نفي الظنة والتهمة عن زوجات النبي عليه السلام وذلك بمعزل عن الخطأ والضلال في الاجتهاد والنظر في الأحكام الشرعية .

          [ ص: 249 ] وعلى هذا فقد بطل أن يكون قول الواحد منهم أيضا حجة .

          ويؤيد ذلك أن عليا عليه السلام لم ينكر على أحد ممن خالفه فيما ذهب إليه من الأحكام ، ولم يقل له إن الحجة فيما أقول مع كثرة مخالفيه ، ولو كان ذلك منكرا ، فقد كان متمكنا من الإنكار فيما خولف فيه في زمن ولايته وظهور شوكته ; فتركه لذلك يكون خطأ منه ، ويخرج بذلك عن العصمة وعن وجوب اتباعه فيما ذهب إليه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية