( حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17052محمود بن غيلان ، حدثنا
أبو داود عن
شعبة عن
الأشعث بن سليم ) بالتصغير ( قال : سمعت عمتي ) اسمها
رهم بضم الراء ، وسكون الهاء بنت الأسود بن خالد ، كذا في التقريب ، وقيل : بنت
الأسود بن حنظلة ( تحدث عن عمها ) أي عم عمة
أشعث بن سليم ، اسمه
عبيد بن خالد المحاربي ، سكن
الكوفة ، وأما ما قال
العصام أن الأصح ما في بعض النسخ عن عم أبيها ، أي عم
ابن حنظلة ، فغير صحيح مع أنه ليس موجودا في أصلنا ، ولا في النسخ الحاضرة أصلا ، نعم .
ذكر
ميرك شاه أنه وقع في كتاب تهذيب الكمال عن عم أبيه وحينئذ يرجع الضمير المجرور إلى
الأشعث ، ولا يخفى أن عم عمة الشخص هو عم أبيه ( قال بينما أنا أمشي ) أتى بصيغة المضارع استحضارا للحال الماضية (
بالمدينة ) أي في
المدينة كما في بعض النسخ ، وفي نسخة : بينا بحذف الميم ، وأصله بين وهو الوسط ، وقد تشبع فتحتها فتتولد ألفا ، وقد تزاد فيها ميم ، وهما مضافان إلى ما بعدهما ، وقيل : ما والألف عوضان عن المضاف إليه المحذوف وفي المغرب
[ ص: 212 ] بين من الظروف اللازمة ، ولا يضاف إلا إلى الاثنين فصاعدا ، أو ما قام مقامه كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=68عوان بين ذلك وقد يحذف المضاف إليه ، ويعوض عنه ما أو الألف ، وفي النهاية هما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى الجملة من فعل وفاعل أو مبتدأ وخبر ، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ ، وإذا . وقد جلا في الجواب كثيرا ، يقال : بينا زيد جالس دخل عليه عمرو ، وإذ دخل عليه وإذا دخل عليه ( إذا ) بالألف للمفاجأة ( إنسان خلفي ) قال صاحب الكشاف في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون العامل في إذا معنى المفاجأة ، تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجئوا وقت الاستبشار ، فمعنى الحديث وقت مشيي
بالمدينة ، فاجأت قول إنسان خلفي ، فحينئذ بينما ظرف لهذا المقدر ، وإذا مفعول بمعنى الوقت ، فلا يلزم تقدم معمول المضاف إليه على المضاف ، كذا حققه الحنفي ( يقول ) أي ذلك الإنسان بل عين الأعيان وإنسان العين عين الإنسان ، حين رآني مسبلا إزاري ، وغافلا عن حسن شعاري ، ثم قوله يقول خبر المبتدأ الموصوف ، والمقول قوله : ( ارفع إزارك ) أي عن الأرض ( فإنه ) أي : الرفع ( أتقى ) من التقوى أي أقرب إليها وأدل عليها ; لأنه يدل غالبا على انتفاء الكبر والخيلاء ، والتاء مبدلة عن الواو ; لأن أصلها من الوقاية ، فلما كثر استعماله توهموا أن التاء من أصل الحروف ، فقالوا : تقى يتقي مثل رمى يرمي ، وفي بعض النسخ أنقى بالنون من النقاء ، أي أنظف من الوسخ ( وأبقى ) بالموحدة أي أكثر دواما للثوب ، فعلل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمصلحة الدينية ، وهي طهارة القلب أو القالب أولا ; لأنها المقصودة بالذات ، وثانيا بالمنفعة الدنيوية ، فإنها التابعة للأخرى ، وفيه إيماء إلى أن المصالح الأخروية لا تخلو عن المنافع الدنيوية ، وأما قول
ابن حجر وأنقى من الدنس وفي نسخة أبقى ، أي أكثر بقاء فغير موافق للأصول المعتمدة والنسخ المصححة ؛ مع أن المناسبة المعنوية تقتضيها بل النقاوة هي عين التقوى أو بعضها في المعنى ، والحاصل أن اختلاف النسخ في أتقى لا في أبقى بناء على أنه بتعدد النقطة الفوقية ، أو بوحدتها ، ويحتمل أن الأخير التصحيف ; لأنه مستغنى عنه بالأول ، فتأمل يظهر لك وجه المعول ( فالتفت ) كذا بخط
ميرك في الهامش واقعا عليه علامة نسخة صحيحة ، أي نظرت إلى ورائي ( فإذا هو ) أي الإنسان ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي فاعتذرت عن فعلي ( فقلت يا رسول الله إنما هي ) أي الإزار والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله : ( بردة ) بضم الموحدة كساء يلبسه الأعراب ( ملحاء ) بفتح الميم تأنيث أملح ، والملحة بالضم بياض يخالطه سواد على ما في الصحاح ، وقيل : الملحاء التي فيها
[ ص: 213 ] خطوط من سواد وبياض ، وقيل : ما فيه البياض أغلب ، وأما قول
ابن حجر ملحاء بضم أوله فهو سهو قلمه ، وكأن الصحابي أراد أن مثل هذه لا خيلاء فيها ، وأن أمر بقائها ونقائها سهل لا كلفة معهما ، فأجابه صلى الله عليه وسلم بطلب الإقتداء به المشتمل على كمال الحكم الشاملة لعموم الأمم بسببه ، وحينئذ ( قال أما لك ) باستفهام إنكاري وما نافية ( في ) بتشديد الياء أي أليس لك في فعلي المحتوي على قولي وحالي ( أسوة ) بضم الهمزة وكسرها أي قدوة ومتابعة ، وأما قول
الحنفي أي في قولي فلا يلائمه ، قوله : ( فنظرت ) أي إلى لباسه ( فإذا إزاره ) باعتبار طرفيه ( إلى نصف ساقيه ) وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للكامل أن يكون جامعا بين القول والفعل ; ليكمل هذا ، وقد أغرب
الحنفي في هذا المقام ، حيث قال : كان الصحابي توهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ارفع إزارك ، الأمر بالقطع فاعتذر بأنها بردة ملحاء لا يناسب قطعها ، انتهى .
وهو خطأ فاحش لفظا ومعنى ، أما لفظا فإن إرادة القطع من الرفع لا تتصور من عجمي فكيف تجوز من صحابي عربي ، وأما معنى ، فإنه ينقلب اعتذاره اعتراضا مع أن البردة الملحاء مما يلبسه سكان البادية ، وأعجب منه قول
العصام ، ونحن نقول : أراد إنها بردة ملحاء والعادة في الاكتساء بها هو ذلك ، فكيف أرفعها انتهى .
وفساده لا يخفى ; ولهذا قال
ابن حجر : ولبعضهم هنا تخليط فاجتنبه ، ثم بما قررناه سابقا اندفع ما قاله
ابن حجر ، من أن هذا الاعتذار إنما يتم في مقابلة قوله : أتقى بالفوقية ; لأنه الأهم والأحرى بالاعتناء به إذ اختلاله له يقدح نقصانا في الدين ، وهو التكبر والخيلاء ، ولم يعتذر عن الأخيرين ; لأن الأمر فيهما أسهل وأخف ، والله أعلم .
( حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17052مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
شُعْبَةَ عَنِ
الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ ) بِالتَّصْغِيرِ ( قَالَ : سَمِعْتُ عَمَّتِي ) اسْمُهَا
رُهْمٌ بِضَمِّ الرَّاءِ ، وَسُكُونِ الْهَاءِ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَالِدٍ ، كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ، وَقِيلَ : بِنْتُ
الْأَسْوَدِ بْنِ حَنْظَلَةَ ( تُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهَا ) أَيْ عَمِّ عَمَّةِ
أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ ، اسْمُهُ
عُبَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْمُحَارِبِيُّ ، سَكَنَ
الْكُوفَةَ ، وَأَمَّا مَا قَالَ
الْعِصَامُ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ عَمِّ أَبِيهَا ، أَيْ عَمِّ
ابْنِ حَنْظَلَةَ ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي أَصْلِنَا ، وَلَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ أَصْلًا ، نَعَمْ .
ذَكَرَ
مِيرَكْ شَاهْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْكَمَالِ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ إِلَى
الْأَشْعَثِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَمَّ عَمَّةِ الشَّخْصِ هُوَ عَمُّ أَبِيهِ ( قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي ) أَتَى بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِلْحَالِ الْمَاضِيَةِ (
بِالْمَدِينَةِ ) أَيْ فِي
الْمَدِينَةِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَفِي نُسْخَةٍ : بَيْنَا بِحَذْفِ الْمِيمِ ، وَأَصْلُهُ بَيْنَ وَهُوَ الْوَسَطُ ، وَقَدْ تُشْبَعُ فَتْحَتُهَا فَتَتَوَلَّدُ أَلِفًا ، وَقَدْ تُزَادُ فِيهَا مِيمٌ ، وَهُمَا مُضَافَانِ إِلَى مَا بَعْدَهُمَا ، وَقِيلَ : مَا وَالْأَلِفُ عِوَضَانِ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفِ وَفِي الْمُغْرِبِ
[ ص: 212 ] بَيْنَ مِنَ الظُّرُوفِ اللَّازِمَةِ ، وَلَا يُضَافُ إِلَّا إِلَى الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=68عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَقَدْ يُحْذَفُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ ، وَيُعَوَّضُ عَنْهُ مَا أَوِ الْأَلِفُ ، وَفِي النِّهَايَةِ هُمَا ظَرْفَا زَمَانٍ بِمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ ، وَيُضَافَانِ إِلَى الْجُمْلَةِ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ أَوْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ ، وَيَحْتَاجَانِ إِلَى جَوَابٍ يَتِمُّ بِهِ الْمَعْنَى ، وَالْأَفْصَحُ فِي جَوَابِهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إِذْ ، وَإِذَا . وَقَدْ جَلَا فِي الْجَوَابِ كَثِيرًا ، يُقَالُ : بَيْنَا زَيْدٌ جَالِسٌ دَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرٌو ، وَإِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ ( إِذَا ) بِالْأَلِفِ لِلْمُفَاجَأَةِ ( إِنْسَانٌ خَلْفِي ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ الْعَامِلُ فِي إِذَا مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ ، تَقْدِيرُهُ وَقْتَ ذِكْرِ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ فَاجَئُوا وَقْتَ الِاسْتِبْشَارِ ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقْتَ مَشْيِي
بِالْمَدِينَةِ ، فَاجَأْتُ قَوْلَ إِنْسَانٍ خَلْفِي ، فَحِينَئِذٍ بَيْنَمَا ظَرْفٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ ، وَإِذَا مَفْعُولٌ بِمَعْنَى الْوَقْتِ ، فَلَا يَلْزَمُ تَقَدُّمُ مَعْمُولِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ ، كَذَا حَقَّقَهُ الْحَنَفِيُّ ( يَقُولُ ) أَيْ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ بَلْ عَيْنُ الْأَعْيَانِ وَإِنْسَانُ الْعَيْنِ عَيْنُ الْإِنْسَانِ ، حِينَ رَآنِي مُسْبِلًا إِزَارِي ، وَغَافِلًا عَنْ حُسْنِ شِعَارِي ، ثُمَّ قَوْلُهُ يَقُولُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْمَوْصُوفِ ، وَالْمَقُولُ قَوْلُهُ : ( ارْفَعْ إِزَارَكَ ) أَيْ عَنِ الْأَرْضِ ( فَإِنَّهُ ) أَيِ : الرَّفْعَ ( أَتْقَى ) مِنَ التَّقْوَى أَيْ أَقْرَبُ إِلَيْهَا وَأَدَلُّ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ غَالِبًا عَلَى انْتِفَاءِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ ، وَالتَّاءُ مُبْدَلَةٌ عَنِ الْوَاوِ ; لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنَ الْوِقَايَةِ ، فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ تَوَهَّمُوا أَنَّ التَّاءَ مِنْ أَصْلِ الْحُرُوفِ ، فَقَالُوا : تَقَى يَتَّقِي مِثْلَ رَمَى يَرْمِي ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنْقَى بِالنُّونِ مِنَ النَّقَاءِ ، أَيْ أَنْظَفُ مِنَ الْوَسَخِ ( وَأَبْقَى ) بِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ أَكْثَرُ دَوَامًا لِلثَّوْبِ ، فَعَلَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ بِالْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ ، وَهِيَ طَهَارَةُ الْقَلْبِ أَوِ الْقَالَبِ أَوَّلًا ; لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ ، وَثَانِيًا بِالْمَنْفَعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، فَإِنَّهَا التَّابِعَةُ لِلْأُخْرَى ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمَصَالِحَ الْأُخْرَوِيَّةَ لَا تَخْلُو عَنِ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَأَمَّا قَوْلُ
ابْنِ حَجَرٍ وَأَنْقَى مِنَ الدَّنَسِ وَفِي نُسْخَةٍ أَبْقَى ، أَيْ أَكْثَرُ بَقَاءً فَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ ؛ مَعَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ تَقْتَضِيهَا بَلِ النَّقَاوَةُ هِيَ عَيْنُ التَّقْوَى أَوْ بَعْضُهَا فِي الْمَعْنَى ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِلَافَ النُّسَخِ فِي أَتْقَى لَا فِي أَبْقَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِتَعَدُّدِ النُّقْطَةِ الْفَوْقِيَّةِ ، أَوْ بِوَحْدَتِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَخِيرَ التَّصْحِيفُ ; لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْأَوَّلِ ، فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَكَ وَجْهُ الْمُعَوَّلِ ( فَالْتَفَتُّ ) كَذَا بِخَطِّ
مِيرَكَ فِي الْهَامِشِ وَاقِعًا عَلَيْهِ عَلَامَةُ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ ، أَيْ نَظَرْتُ إِلَى وَرَائِي ( فَإِذَا هُوَ ) أَيِ الْإِنْسَانُ ( رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ فَاعْتَذَرْتُ عَنْ فِعْلِي ( فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ ) أَيِ الْإِزَارُ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ : ( بُرْدَةٌ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ كِسَاءٌ يَلْبَسُهُ الْأَعْرَابُ ( مَلْحَاءُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ تَأْنِيثُ أَمْلَحَ ، وَالْمُلْحَةُ بِالضَّمِّ بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ سَوَادٌ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ ، وَقِيلَ : الْمَلْحَاءُ الَّتِي فِيهَا
[ ص: 213 ] خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ ، وَقِيلَ : مَا فِيهِ الْبَيَاضُ أَغْلَبُ ، وَأَمَّا قَوْلُ
ابْنِ حَجَرٍ مُلْحَاءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ فَهُوَ سَهْوُ قَلَمِهِ ، وَكَأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَرَادَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا خُيَلَاءَ فِيهَا ، وَأَنَّ أَمْرَ بَقَائِهَا وَنَقَائِهَا سَهْلٌ لَا كُلْفَةَ مَعَهُمَا ، فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ الْإِقْتِدَاءِ بِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كَمَالِ الْحِكَمِ الشَّامِلَةِ لِعُمُومِ الْأُمَمِ بِسَبَبِهِ ، وَحِينَئِذٍ ( قَالَ أَمَا لَكَ ) بِاسْتِفْهَامٍ إِنْكَارِيٍّ وَمَا نَافِيَةٌ ( فِيَّ ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ أَلَيْسَ لَكَ فِي فِعْلِي الْمُحْتَوِي عَلَى قَوْلِي وَحَالِي ( أُسْوَةٌ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا أَيْ قُدْوَةٌ وَمُتَابَعَةٌ ، وَأَمَّا قَوْلُ
الْحَنَفِيِّ أَيْ فِي قَوْلِي فَلَا يُلَائِمُهُ ، قَوْلُهُ : ( فَنَظَرْتُ ) أَيْ إِلَى لُبَاسِهِ ( فَإِذَا إِزَارُهُ ) بِاعْتِبَارِ طَرَفَيْهِ ( إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ) وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْكَامِلِ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ; لِيَكْمُلَ هَذَا ، وَقَدْ أَغْرَبَ
الْحَنَفِيُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، حَيْثُ قَالَ : كَانَ الصَّحَابِيُّ تَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ارْفَعْ إِزَارَكَ ، الْأَمْرَ بِالْقَطْعِ فَاعْتَذَرَ بِأَنَّهَا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ لَا يُنَاسِبُ قَطْعُهَا ، انْتَهَى .
وَهُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ لَفْظًا وَمَعْنًى ، أَمَّا لَفْظًا فَإِنَّ إِرَادَةَ الْقَطْعِ مِنَ الرَّفْعِ لَا تُتَصَوَّرُ مِنْ عَجَمِيٍّ فَكَيْفَ تَجُوزُ مِنْ صَحَابِيٍّ عَرَبِيٍّ ، وَأَمَّا مَعْنًى ، فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ اعْتِذَارُهُ اعْتِرَاضًا مَعَ أَنَّ الْبُرْدَةَ الْمَلْحَاءَ مِمَّا يَلْبَسُهُ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ قَوْلُ
الْعِصَامِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : أَرَادَ إِنَّهَا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ وَالْعَادَةُ فِي الِاكْتِسَاءِ بِهَا هُوَ ذَلِكَ ، فَكَيْفَ أَرْفَعُهَا انْتَهَى .
وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى ; وَلِهَذَا قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ : وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا تَخْلِيطٌ فَاجْتَنِبْهُ ، ثُمَّ بِمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ
ابْنُ حَجَرٍ ، مِنْ أَنَّ هَذَا الِاعْتِذَارَ إِنَّمَا يَتِمُّ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ : أَتْقَى بِالْفَوْقِيَّةِ ; لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ وَالْأَحْرَى بِالِاعْتِنَاءِ بِهِ إِذِ اخْتِلَالُهُ لَهُ يَقْدَحُ نُقْصَانًا فِي الدِّينِ ، وَهُوَ التَّكَبُّرُ وَالْخُيَلَاءُ ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ عَنِ الْأَخِيرَيْنِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِمَا أَسْهَلُ وَأَخَفُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .