( حدثنا   محمود بن غيلان  أنبأنا ) وفي نسخة أخبرنا (   وكيع  حدثنا   مسعر     ) بكسر فسكون ففتح ( عن   أبي صخرة جامع بن شداد  عن  المغيرة بن عبد الله  ، عن   المغيرة بن شعبة  قال : ضفت ) بكسر أوله ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ) قيل : معناه صرت ضيفا لرجل معه صلى الله عليه وسلم ، وقال  زين العرب  شارح المصابيح أي كنت ليلة ضيفه ، وزيف هذا القول بعضهم لأجل قوله : مع ، وقال  الطيبي     : أي نزلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل ضيفين له ، وقال صاحب المغرب : ضاف القوم وتضيفهم نزل عليهم ضيفا ، وأضافوه وضيفوه أنزلوه ، قال  ميرك     : وقع في رواية  أبي داود  من طريق   وكيع  بهذا الإسناد بلفظ ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ، والظاهر منه أن  المغيرة  صار ضيفا للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال صاحب النهاية : ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافته      [ ص: 259 ] وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا أنزلت به ، وتضيفني إذا أنزلني ، وقال صاحب القاموس : ضفته أضيفه ضيفا ، نزلت عليه ضيفا كتضيفته ، وفي الصحاح أضفت الرجل وضيفته إذا أنزلته لك ضيفا وقربته ، وضفت الرجل ضيافة ، إذا نزلت عليه ضيفا ، وكذا تضيفته انتهى .  
والظاهر أن لفظة مع في رواية  الترمذي  مقحمة ، كما لا يخفى على المتأمل ، وبهذا يظهر أن الحق مع الشارح  زين العرب  ، وقد صرح صاحب المغني أن لمع عند الإضافة ثلاث معان ، الأول موضع الاجتماع ، الثاني زمانه ، الثالث مرادفه عند هذا ، وقد وقعت هذه الضيافة في بيت   ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب  ، ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم ، كذا أفاده  القاضي إسماعيل  ، وقال  العسقلاني     : ويحتمل أنها كانت في بيت   ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها  ، وأما ما قاله بعضهم من أن المراد جعلته ضيفا لي حال كوني معه فغير صحيح ; لما قدمناه من معنى ضفت لغة (  فأتي بجنب مشوي     ) قال  ميرك     : وفي رواية  أبي داود  فأمر بجنب مشوي ( ثم أخذ ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( الشفرة ) بفتح الشين المعجمة وسكون الفاء ، وهي السكين العريض الذي امتهن بالعمل ، ويسمى الخادم شفرة ; لأنه يمتهن في الأعمال كما تمتهن هذه في قطع اللحم ، كذا في المغرب ( فحز ) بتشديد الزاي أي فقطع النبي صلى الله عليه وسلم ( لي ) أي لأجلي وهو متعلق بحز ( بها ) أي بالشفرة والباء للاستعانة ، كما في كتبت بالقلم ، فيكون الجار متعلقا بحز أيضا ( منه ) أي من ذلك الجنب المشوي ، وفي نسخة صحيحة فجعل أي طفق وشرع يحز لي ، وفي نسخة فجعل يحز ، فحز لي ، وأخرى فجعل يحز لي بها منه ، والحز القطع ، ومنه الحزة بالضم ، وهي القطعة من اللحم ، واعلم أنه قد ثبت في الصحيحين  أنه صلى الله عليه وسلم احتز من كتف شاة ، فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ  ، فلا يعارضه ما رواه  أبو داود  والبيهقي  في شعب الإيمان عن  عائشة  رضي الله عنها قالت :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقطعوا اللحم بالسكين ، فإنه من صنيع الأعاجم ، وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ  ، وقالا : ليس هو بالقوي على أنه يجوز أن يكون احتزازه صلى الله عليه وسلم ناسخا لنهيه عن قطع اللحم بالسكين ، وأن يكون لبيان الجواز تنبيها ، على أن النهي للتنزيه لا للتحريم ، وقيل : معنى كونه من صنيع الأعاجم أي من دأبهم وعادتهم ، قال في الكشاف في قوله تعالى :  لبئس ما كانوا يصنعون      : كل فاعل لا يسمى صانعا حتى يتمكن فيه ويتدرب يعني لا تجعلوا القطع بالسكين دأبكم وعادتكم كالأعاجم ، بل إذا كان نضيجا فانهشوه ، فإن لم يكن نضيجا فحزوه بالسكين ، ويؤيده ما في  البيهقي  أن  النهي عن قطع اللحم بالسكين   في لحم قد تكامل نضجه ، أو على أن ذلك أطيب ; ولذا علله بقوله : فإنه أهنأ وأمرأ ، والهني اللذيذ الموافق للغرض ، والمريء من الاستمراء هو ذهاب ثقل الطعام ، ويؤيده ما أخرجه المصنف بلفظ  انهشوا اللحم نهشا ، فإنه أهنأ وأمرأ  ، وقال : لا نعرفه إلا من حديث  عبد الكريم  ،  وعبد الكريم  هذا ضعيف ، لكن له طريق آخر فهو حسن ، وغاية ما فيه أن النهش أولى ، أو هو محمول على ما مر ، أو على الصغير والاحتزاز على الكبير ; لشدة لحمه ، هذا وإنما حز  للمغيرة  تواضعا منه      [ ص: 260 ] صلى الله عليه وسلم وإظهارا لمحبته له ، ليتألفه لقرب إسلامه ، وحملا لغيره على أنه وإن جلت مرتبته فلا يمنعه من صدور مثل ذلك لأصحابه بل لأصاغرهم ( قال ) أي  المغيرة     ( فجاء  بلال ) وهو أبو عبد الرحمن  ، كان يعذب في ذات الله ، فاشتراه  أبو بكر  رضي الله عنه ، وأعتقه وهو  أول من أسلم من الموالي   ، شهد  بدرا   ، وما بعدها ومات  بدمشق   سنة ثمان عشرة ، وله ثلاث وستون سنة ، من غير عقب ، ودفن بباب الصغير ( يؤذنه ) بسكون الهمزة ، ويبدل واوا من الإيذان بمعنى الإعلام ، وفي نسخة بهمزة مفتوحة ، وقد يبدل وتشديد الذال من التأذين بمعناه ، لكن في النهاية أن المشدد مختص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة ، فعلى هذا قوله : ( بالصلاة ) يفيد التجريد ، ويقوي الرواية الأولى ( فألقى ) أي رمى النبي صلى الله عليه وسلم ( الشفرة فقال له ) أي   لبلال     ( تربت يداه ) بكسر الراء أي لصقتا بالتراب ، من شدة الافتقار دعاء بالعدم والفقر ، وقد يطلق ويراد به الزجر ، لا وقوع الأمر ، كأنه صلى الله عليه وسلم كره إيذانه بالصلاة ، وهو مشتغل بالعشاء ، والحال أن الوقت متسع ويحتمل أنه قال ذلك رعاية لحال الضيف ، وقيل : قيامه كان للمبادرة إلى الطاعة ، والمسارعة إلى الإجابة ، ومعنى تربت يداه ، لله دره ما أحلاه ( قال ) أي  للمغيرة     ( وكان شاربه ) أي شارب  المغيرة     ( قد وفى ) أي طال ، وفي نسخة وكان شاربه وفاء ( فقال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( له ) أي  للمغيرة  ، وكان حقه أن يقول وشاربي وفاء أي تماما ، فقال لي فوضع مكان الضمير المتكلم الغائب ، إما تجريدا أو التفاتا ( أقصه ) بتقدير استفهام أو لمجرد إخبار ( لك ) أي لنفعك أو لأجل قربك مني ( على سواك ) أي يوضع السواك تحت الشارب ، ثم قصه ما فضل عن السواك ، ويحتمل أن يكون القص بالشفرة أو بالمقراض ( أو قصه ) بضم القاف والصاد وتفتح أي أنت ( على سواك ) والشك      [ ص: 261 ] من  المغيرة  أو ممن دونه ، وفي نسخة بفتح القاف فهو عطف على قال ، أي قال كان شاربه ، وفي نسخة فقصه كذا قيل ، والظاهر أنه عطف على فقال ، أي فقال أقصه أو قصه على سواك ، ثم الواو في قوله قال ، وكان شاربه لمطلق الجمع ، فلا يرد أن هذا الفعل لا يلائم وقوعه بعد الإيذان ، ورمي الشفرة وغيره ، وهو أيضا يزيف ما اختاره بعض الشراح من أن الضمير في شاربه   لبلال  ، اللهم إلا أن يثبت كون  بلال  قبل الإيذان معهم في ذلك المجلس ، قيل : ويحتمل أن يكون الضمير في شاربه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى قوله : أقصه لك أي لأجلك تتبرك به ، انتهى .  
ويؤيد قول الأول ما ورد  أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب ، فدعا بسواك وشفرة ، فوضع السواك تحت شاربه ، ثم حزه  ، وقال  ميرك     : وقع في رواية  أبي داود     : "  كان شاربي وفى فقصه لي على سواك     " ، فعلى هذه الرواية تعيين الاحتمال الأول ، أن فاعل قال هو   المغيرة بن شعبة  ، ويحتمل أن يكون فاعل قال هو  المغيرة بن عبد الله  ، نقل كلام   المغيرة بن شعبة  بالمعنى ، فلا التفات إلى الالتفات ، تأمل يظهر لك أن ما اختاره  ابن حجر  وغيره من الشراح مخالف لما في نفس الأمر ، وإن كان يوافقه ظاهر العبارة ، فالعبرة بالمعنى ويحمل عليه المبني هذا ، وفيه دليل لما قاله  النووي  من أن  السنة في قص الشارب   أن لا يبالغ في إحفائه بل يقتصر على ما يظهر به حمرة الشفة ، وطرفها وهو المراد بإحفاء الشوارب في الأحاديث .  
قال  ابن حجر     : واعلم أن الناس اختلفوا  هل الأفضل حلق الشارب أو قصه   ، قيل : الأفضل حلقه لحديث فيه ، وقيل : الأفضل القص ، وهو ما عليه الأكثرون ، بل رأي  مالك  تأديب الحالق ، وما مر عن  النووي  قيل : يخالفه قول   الطحاوي  عن  المزني  والربيع  أنهما كانا يحفيانه ، ويوافقه قول  أبي حنيفة  وصاحبيه ، الإحفاء أفضل من التقصير ، وعن  أحمد  أنه كان يحفيه شديدا ، ورأى   الغزالي  وغيره أنه لا بأس بترك السبالين ، اتباعا  لعمر  وغيره ; ولأن ذلك لا يستر الفم ، ولا يبقى فيه غمر الطعام ، إذ لا يصل إليه ، وكره  الزركشي  إبقاءه لخبر صحيح   ابن حبان  ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم  المجوس   ، فقال : إنهم يوفرون سبالهم ، ويحلقون لحاهم ، فخالفوهم  ، وكان يحز سباله كما يحز الشاة والبعير ، وفي خبر عند  أحمد  ،  قصوا سبالكم ، ووفروا لحاكم  ، وفي الجامع الصغير ،  وفروا اللحى وخذوا من الشوارب ، وانتفوا الإبط ، وقصوا الأظافير  ، رواه   الطبراني  في الأوسط عن   أبي هريرة  ، وروى  البيهقي  عن  أبي أمامة  ،  وفروا عثانينكم وقصوا سبالكم  ، والعثنون اللحية ، وفي خبر ضعيف  أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور ، وكان إذا كثر شعره أي شعر عانته حلقه  ، وصح لكن أعل بالإرسال  أنه كان إذا طلا بدأ بعانته فطلاها بالنورة ، وسائر جسده  ، وخبر أنه دخل حمام  الجحفة   موضوع باتفاق أهل المعرفة ، وإن زعم  الدميري  وغيره وروده ، وفي مرسل عند  البيهقي  كان صلى الله عليه وسلم يقلم أظافره ، ويقص شاربه يوم الجمعة ، قبل الخروج إلى الصلاة  ، وروى  النووي  كالعبادي : "  من أراد أن يأتيه الغنى على كره ، فليقلم أظفاره يوم الخميس     " ، وفي الحديث الضعيف : "  يا  علي     : قص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة   [ ص: 262 ] قيل : ولم يثبت في قص الظفر يوم الخميس حديث ، بل كيف ما احتاج إليه ، ولم يثبت في كيفيته ، ولا في تعيين يوم له شيء ، وما يعزى من النظم في ذلك  لعلي  أو غيره باطل .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					