باب نكاح أهل الحرب ( قال : ) رضي الله عنه بلغنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن
nindex.php?page=treesubj&link=11008_25343_11445مناكحة أهل الحرب من أهل الكتاب ؟ فكره ذلك ، وبه نأخذ فنقول : يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية في دار الحرب ، ولكنه يكره ; لأنه إذا تزوجها ثمة ربما يختار المقام فيهم ، وقال : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6964أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا تراءى ناراهما } ; ولأن فيه تعريض ولده للرق فربما تحبل منه فتسبى فيصير ما في بطنها رقيقا ، وإن كان مسلما ، وإذا ولدت تخلق بأخلاق الكفار ، وفيه بعض الفتنة فيكره لهذا ، فإن خرج ، وتركها في دار الحرب ، وقعت الفرقة بينهما بتباين الدارين حقيقة وحكما ، فإنها من أهل دار الحرب ، والزوج من أهل دار الإسلام ، وتباين الدارين بهذه الصفة موجب للفرقة عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون موجبا للفرقة حتى إذا أسلم أحد الزوجين ، وخرج إلى دارنا فإن كانت المرأة هي التي خرجت مراغمة ، وقعت
[ ص: 51 ] الفرقة بالاتفاق عندنا ; لتباين الدارين .
وعنده للقصد إلى المراغمة والاستيلاء على حق الزوج فإن خرجت غير مراغمة لزوجها أو خرج الزوج مسلما أو ذميا تقع الفرقة بتباين الدارين عندنا ، ولا تقع عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى ، واستدل بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80225فإنه أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النكاح بينه وبين امرأته هند ، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هرب nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل nindex.php?page=showalam&ids=137وحكيم بن حزام رضي الله عنهما حتى أسلمت امرأة كل واحد منهما ، وأخذت الأمان لزوجها ، وذهبت فجاءت بزوجها ، ولم يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النكاح بينهما ، وإن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجرت إلى المدينة ثم تبعها زوجها nindex.php?page=showalam&ids=9920أبو العاص بعد سنين فردها عليه بالنكاح الأول } ، والمعنى فيه أن اختلاف الدار عبارة عن تباين الولايات ، وذلك لا يوجب ارتفاع النكاح كاختلاف الولايتين في دار الإسلام ، ألا ترى أن الحربي لو خرج إلينا مستأمنا ، أو المسلم دخل دار الحرب بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين امرأته ، وكذلك الخارج من مصر أهل العدل إلى منعة أهل البغي لا تقع الفرقة بينه وبين امرأته ، وأصحابنا رحمهم الله تعالى استدلوا بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فلا ترجعوهن إلى الكفار } ، وليس في هذه الآية بيان قصد المراغمة فاشتراطه يكون زيادة على النص ، وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10ولا تمسكوا بعصم الكوافر } .
والكوافر : جمع كافرة معناه لا تعدوا من خلفتموه في دار الحرب من نسائكم ، ولما أراد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أن يهاجر إلى
المدينة نادى
بمكة ألا من أراد أن تئيم امرأته منه أو تبين فليلتحق بي أي : فليصحبني في الهجرة ، والمعنى فيه أن من بقي في دار الحرب في حق من هو في دار الإسلام كالميت قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أومن كان ميتا فأحييناه } أي : كافرا فرزقناه الهدى ، ألا ترى أن المرتد اللاحق بدار الحرب يجعل كالميت حتى يقسم ماله بين ورثته فكما لا تتحقق عصمة النكاح بين الحي والميت ، فكذلك لا تتحقق عند تباين الدارين حقيقة وحكما ، فأما إذا خرج إلينا بأمان فتباين الدارين لم يوجد حكما ; لأنه من أهل دار الحرب متمكن من الرجوع إليها ، وكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فهو من أهل دار الإسلام حكما ، ومنعة أهل البغي من جملة دار الإسلام ، ومن فيها لا يجعل بمنزلة الميت حكما ، والدليل عليه أنه ما خرج إلا قاصدا إحراز نفسه من المشركين فلا يعتبر مع ذلك القصد إلى المراغمة ، ولو كان خروجها على سبيل المراغمة لزوجها وقعت الفرقة
[ ص: 52 ] بالاتفاق .
فأما حديث
زينب رضي الله عنها فالصحيح أنه ردها عليه بالنكاح الجديد ، وما روي أنه ردها عليه بالنكاح الأول أي : بحرمة النكاح الأول ، ألا ترى أنه ردها عليه بعد سنتين ، والعدة تنقضي في مثل هذه المدة عادة ، وقد روي أن الكفار تتبعوها وضربوها حتى أسقطت فانقضت عدتها بذلك ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى إن كان لا تقع الفرقة بتباين الدارين تقع بانقضاء العدة ، وأما إسلام
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان فالصحيح أنه لم يحسن إسلامه يومئذ ، وإنما أجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشفاعة عمه
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس رضي الله عنه
وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=137وحكيم بن حزام إنما هربا إلى الساحل ، وكانت من حدود
مكة فلم يوجد تباين الدارين ، وقال
الزهري : إن دار الإسلام إنما تميزت من دار الحرب بعد فتح
مكة ، فلم يوجد تباين الدارين يومئذ فلهذا لم يجدد النكاح بينهما ، فأما إذا سبي أحد الزوجين تقع الفرقة بينهما بالاتفاق .
فعندنا ; لتباين الدارين ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه ; للسبي حتى إذا سبيا معا لم تقع الفرقة بينهما لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24والمحصنات من النساء } معناه ذوات الأزواج من النساء إلا ما ملكت أيمانكم فإنها محللة لكم ، وإنما نزلت الآية في سبايا أوطاس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80226، وقد نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألا لا توطأ الحبالى من الفيء حتى يضعن ، ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة } ، وإنما سبي أزواجهن معهن ، والمعنى فيه : أن السبي يقتضي صفاء المسبي للسابي ، ولهذا لا يبقى الدين الذي كان واجبا على المسبي ، وإنما يصفو إذا لم يبق ملك النكاح ; وهذا لأن السبي سبب لملك ما يتحمل التملك ومحل النكاح محتمل للتملك فيصير مملوكا للسابي ; لأنه لو امتنع ثبوت الملك إنما يمتنع لحق الزوج ، وهو ليس بذي حق محترم ، ألا ترى أنه تسقط به مالكيته عن نفسه وعن ماله .
ولهذا قلنا : لو كانت المسبية منكوحة لمسلم أو لذمي لا يبطل النكاح ; لأن ملك النكاح محترم ، ولا يدخل عليه القصاص أنه لا يسقط بالسبي ; لأن المستحق بالقصاص الدم ، وهو ليس بمحتمل للتملك ; ولأن القصاص لا يجب إلا لمحترم ، وحجتنا في ذلك أن السبي سبب لملك الرقبة مالا فلا يكون مبطلا للنكاح كالشراء ; وهذا لأن المملوك في النكاح ليس بمال فلا يثبت فيه التملك بالسبي مقصودا ; لأن تملك البضع مقصودا بسببه يختص بشرائط من الشهود والولي ، وذلك لا يوجد في السبي فإنما يثبت الملك هنا تبعا لملك الرقبة ، وذلك لا يثبت إلا عند فراغ المحل عن حق الغير .
ونفس السبي ليس بمناف للنكاح ، ألا ترى أن ملك النكاح لو كان محترما لا يبطل النكاح مع تقرر السبي ، والمنافي إذا تقرر فالمحترم وغير المحترم فيه سواء ، كما إذا تقرر بالمحرمية والرضاع ; ولأن السبي لا ينافي ابتداء النكاح فلأن
[ ص: 53 ] لا ينافي البقاء أولى ، وأما الدين فإن كان على عبد فسبي لم يسقط الدين منصوص عليه في المأذون ، وإن كان على حر فسبي فإنه يسقط ; لأنه لما صار عبدا ، والدين لا يجب على العبد إلا شاغلا مالية رقبته ، فكذلك لا يبقى إلا شاغلا للمالية ، وحين كان واجبا على الحر لم يكن شاغلا لمالية الرقبة إذ لا مالية في رقبته ، فلا يمكن إبقاؤه إلا بتلك الصفة ، وقد تعذر إبقاؤه بتلك الصفة بعد السبي ، ألا ترى أنه لو كان الدين لمحترم لا يبقى كذلك ، وبه يبطل قولهم : أن السبي يقتضي صفاء المسبي للسابي ، فإن ملك النكاح إذا كان محترما بقي النكاح ، ولا صفاء ، وكذلك إذا سبي الزوج وقعت الفرقة ، وهنا الملك له لا عليه .
فأما الحديث : فالمروي أن الرجال هربوا إلى حصونهم ، وإنما سبي النساء وحدهن ، فقد وقعت الفرقة بتباين الدارين ، والآية دليلنا فإن الله تعالى حرم ذوات الأزواج فما لم يثبت انقطاع الزوجية بينهما كانت محرمة على السابي بهذا النص ، إذا عرفنا هذا فنقول : إذا خرج الزوج مسلما وتركها في دار الحرب حتى وقعت الفرقة بينهما ، لم يقع عليها طلاقه بعد ذلك ; لأن النكاح قد انقطع لا إلى عدة ، فإن بقاءها في دار الحرب كما ينافي أصل النكاح بينها وبين الزوج ينافي العدة ، فلهذا لا يقع طلاقه عليها ، وإن خرجت المرأة قبل الزوج مسلمة أو ذمية فهما على نكاحهما ; لأن الزوج مسلم من أهل دار الإسلام أيضا فلم تتباين بهم الدار
بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الْحَرْبِ ( قَالَ : ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَغَنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11008_25343_11445مُنَاكَحَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ؟ فَكَرِهَ ذَلِكَ ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ : يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ; لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا ثَمَّةَ رُبَّمَا يَخْتَارُ الْمُقَامَ فِيهِمْ ، وَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6964أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا } ; وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ وَلَدِهِ لِلرِّقِّ فَرُبَّمَا تَحْبَلُ مِنْهُ فَتُسْبَى فَيَصِيرُ مَا فِي بَطْنِهَا رَقِيقًا ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا ، وَإِذَا وَلَدَتْ تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الْكُفَّارِ ، وَفِيهِ بَعْضُ الْفِتْنَةِ فَيُكْرَهُ لِهَذَا ، فَإِنْ خَرَجَ ، وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ، وَخَرَجَ إلَى دَارِنَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ مُرَاغَمَةً ، وَقَعَتْ
[ ص: 51 ] الْفُرْقَةُ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَنَا ; لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ .
وَعِنْدَهُ لِلْقَصْدِ إلَى الْمُرَاغَمَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ فَإِنْ خَرَجَتْ غَيْرَ مُرَاغِمَةٍ لِزَوْجِهَا أَوْ خَرَجَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ عِنْدَنَا ، وَلَا تَقَعُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80225فَإِنَّهُ أَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فِي مُعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَمْ يُجَدِّدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّكَاحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ هِنْدُ ، وَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ هَرَبَ nindex.php?page=showalam&ids=28عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ nindex.php?page=showalam&ids=137وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَتَّى أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَأَخَذَتْ الْأَمَانَ لِزَوْجِهَا ، وَذَهَبَتْ فَجَاءَتْ بِزَوْجِهَا ، وَلَمْ يُجَدِّدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَبِعَهَا زَوْجُهَا nindex.php?page=showalam&ids=9920أَبُو الْعَاصِ بَعْدَ سِنِينَ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ } ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارِ عِبَارَةٌ عَنْ تَبَايُنِ الْوِلَايَاتِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ ارْتِفَاعَ النِّكَاحِ كَاخْتِلَافِ الْوِلَايَتَيْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ خَرَجَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا ، أَوْ الْمُسْلِمَ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَكَذَلِكَ الْخَارِجُ مِنْ مِصْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ إلَى مَنَعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ قَصْدِ الْمُرَاغَمَةِ فَاشْتِرَاطُهُ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ ، وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } .
وَالْكَوَافِرُ : جَمْعُ كَافِرَةٍ مَعْنَاهُ لَا تَعُدُّوا مَنْ خَلَّفْتُمُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ نِسَائِكُمْ ، وَلَمَّا أَرَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى
الْمَدِينَةِ نَادَى
بِمَكَّةَ أَلَا مَنْ أَرَادَ أَنْ تَئِيمَ امْرَأَتُهُ مِنْهُ أَوْ تَبِينَ فَلْيَلْتَحِقْ بِي أَيْ : فَلْيَصْحَبْنِي فِي الْهِجْرَةِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَنْ بَقِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } أَيْ : كَافِرًا فَرَزَقْنَاهُ الْهُدَى ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ اللَّاحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ حَتَّى يُقْسَمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَكَمَا لَا تَتَحَقَّقُ عِصْمَةُ النِّكَاحِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ، فَكَذَلِكَ لَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، فَأَمَّا إذَا خَرَجَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ لَمْ يُوجَدْ حُكْمًا ; لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا ، وَمَنَعَةُ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَمَنْ فِيهَا لَا يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ حُكْمًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ إلَّا قَاصِدًا إحْرَازَ نَفْسِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ الْقَصْدِ إلَى الْمُرَاغَمَةِ ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُرَاغَمَةِ لِزَوْجِهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ
[ ص: 52 ] بِالِاتِّفَاقِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ
زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْجَدِيدِ ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَيْ : بِحُرْمَةِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ ، وَالْعِدَّةُ تَنْقَضِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَةً ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ تَتَبَّعُوهَا وَضَرَبُوهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ تَقَعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَأَمَّا إسْلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبِي سُفْيَانَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَحْسُنْ إسْلَامُهُ يَوْمَئِذٍ ، وَإِنَّمَا أَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَفَاعَةِ عَمِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَعِكْرِمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=137وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ إنَّمَا هَرَبَا إلَى السَّاحِلِ ، وَكَانَتْ مِنْ حُدُودِ
مَكَّةَ فَلَمْ يُوجَدْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ ، وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ : إنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ إنَّمَا تَمَيَّزَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ ، فَلَمْ يُوجَدْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ يَوْمَئِذٍ فَلِهَذَا لَمْ يُجَدِّدْ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا ، فَأَمَّا إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ .
فَعِنْدَنَا ; لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِلسَّبْيِ حَتَّى إذَا سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ } مَعْنَاهُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّهَا مُحَلَّلَةٌ لَكُمْ ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80226، وَقَدْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ } ، وَإِنَّمَا سُبِيَ أَزْوَاجُهُنَّ مَعَهُنَّ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي ، وَلِهَذَا لَا يَبْقَى الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَسْبِيِّ ، وَإِنَّمَا يَصْفُو إذَا لَمْ يَبْقَ مِلْكُ النِّكَاحِ ; وَهَذَا لِأَنَّ السَّبْيَ سَبَبٌ لِمِلْكِ مَا يَتَحَمَّلُ التَّمَلُّكَ وَمَحَلُّ النِّكَاحِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمَلُّكِ فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلسَّابِي ; لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ لِحَقِّ الزَّوْجِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِذِي حَقٍّ مُحْتَرَمٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ مَالِكِيَّتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ مَالِهِ .
وَلِهَذَا قُلْنَا : لَوْ كَانَتْ الْمَسْبِيَّةُ مَنْكُوحَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُحْتَرَمٌ ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالسَّبْيِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْقِصَاصِ الدَّمُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُحْتَمِلٍ لِلتَّمَلُّكِ ; وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا لِمُحْتَرَمٍ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّبْيَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ مَالًا فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلنِّكَاحِ كَالشِّرَاءِ ; وَهَذَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّمَلُّكُ بِالسَّبْيِ مَقْصُودًا ; لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْبُضْعِ مَقْصُودًا بِسَبَبِهِ يَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ مِنْ الشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي السَّبْيِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ هُنَا تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ فَرَاغِ الْمَحَلِّ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ .
وَنَفْسُ السَّبْيِ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلنِّكَاحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَوْ كَانَ مُحْتَرَمًا لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ مَعَ تَقَرُّرِ السَّبْيِ ، وَالْمُنَافِي إذَا تَقَرَّرَ فَالْمُحْتَرَمُ وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمِ فِيهِ سَوَاءٌ ، كَمَا إذَا تَقَرَّرَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَالرَّضَاعِ ; وَلِأَنَّ السَّبْيَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَلَأَنْ
[ ص: 53 ] لَا يُنَافِي الْبَقَاءَ أَوْلَى ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدٍ فَسُبِيَ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمَأْذُونِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حُرٍّ فَسُبِيَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ عَبْدًا ، وَالدَّيْنُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى إلَّا شَاغِلًا لِلْمَالِيَّةِ ، وَحِينَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْحُرِّ لَمْ يَكُنْ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ إذْ لَا مَالِيَّةَ فِي رَقَبَتِهِ ، فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَعْدَ السَّبْيِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمُحْتَرَمٍ لَا يَبْقَى كَذَلِكَ ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ : أَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي ، فَإِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا بَقِيَ النِّكَاحُ ، وَلَا صَفَاءَ ، وَكَذَلِكَ إذَا سُبِيَ الزَّوْجُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ ، وَهُنَا الْمِلْكُ لَهُ لَا عَلَيْهِ .
فَأَمَّا الْحَدِيثُ : فَالْمَرْوِيُّ أَنَّ الرِّجَالَ هَرَبُوا إلَى حُصُونِهِمْ ، وَإِنَّمَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَحْدَهُنَّ ، فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، وَالْآيَةُ دَلِيلُنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ انْقِطَاعُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى السَّابِي بِهَذَا النَّصِّ ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : إذَا خَرَجَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ لَا إلَى عِدَّةٍ ، فَإِنَّ بَقَاءَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يُنَافِي أَصْلَ النِّكَاحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ يُنَافِي الْعِدَّةَ ، فَلِهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الزَّوْجِ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ; لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا فَلَمْ تَتَبَايَنْ بِهِمْ الدَّارُ