الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) ولا شفعة في الدار التي تتزوج عليها المرأة ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى أيضا ; لأن الشفعة في الدار لو وجبت إنما تجب للجار ، وهو لا يوجب الشفعة للجار أصلا ، وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى تجب الشفعة .

( قال : ) ، ولو تزوجها على شقص من دار لم تجب فيه الشفعة عندنا ، وعند ابن أبي ليلى والشافعي رحمهما الله تعالى تجب ; لأن النصف ملك بعقد معاوضة فكان كالمملوك بالشراء ، فتجب فيه الشفعة بقيمة العوض ، والعوض هو البضع ، وقيمته مهر المثل ، وهو كمن اشترى دارا بعبد يأخذها الشفيع بقيمة العبد ، وعندنا وجوب الشفعة يختص بمعاوضة مال بمال مطلق ، والبضع ليس بمال مطلق فكان المملوك صداقا بمنزلة الموهوب ، فلا تجب فيها الشفعة ; وهذا لأن الشفيع إنما يتملك بمثل السبب الذي به تملك المشتري ، فإن الشرع قدم الشفيع على المشتري في إثبات حق الأخذ له بذلك السبب لا في إنشاء سبب آخر ، ولهذا لا تجب الشفعة في الموهوب ; لأنه لو أخذه أخذه بعوض فكان سببا آخر غير السبب الذي تملك به المتملك ، فكذلك هنا المرأة إنما ملكت الدار بالنكاح صداقا فلو أخذها الشفيع كان شراء فكان سببا آخر بخلاف ما إذا اشتراها بعبد فإن الشفيع يأخذها بمثل ذلك السبب لأن الشراء بقيمة العبد بمنزلة الشراء بعين العبد في أنه شراء مطلق .

( قال : ) وإذا تزوجها على دار على أن ترد المرأة عليه ألف درهم لم يجب للشفيع الشفعة في شيء من الدار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعندهما تقسم الدار على الألف [ ص: 79 ] وعلى مهر مثلها ، فما يخص الألف تجب الشفعة فيه للشفيع ; لأن العقد فيما يخص الألف شراء ، وفي ما يخص البضع نكاح .

ألا ترى أنه يثبت فيه حكم الشراء من الرد بالعيب اليسير والفاحش ، وغيره من أحكام البيع ، وكذلك حكم الصرف يثبت فيه لو تزوجها على مائة دينار على أن ترد عليه ألف درهم يجب التقابض في حصة الصرف ، ويجوز أن تستحق الشفعة في بعض ما تتناوله الصفقة دون البعض كما لو اشترى دارا وعبدا صفقة واحدة ، فإنه تجب الشفعة في الدار دون العبد .

ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن البيع هنا تبع للنكاح ; لأن البيع لم يكن مقصودا بهذه الصفقة ، وإنما كان المقصود النكاح ، ألا ترى أنه تتوقف حصة البيع على قبول المرأة إذا حصل العقد من فضولي ، والشراء مقصودا لا يتوقف ، وكذلك ينعقد بلفظة الرد ، ولا يحتاج فيه إلى القبول حتى إذا قال : زوجيني نفسك على هذه الدار على أن تردي علي ألفا فقالت : فعلت يتم بدون قبول الزوج ، وإنها لو قبلت حصة النكاح دون البيع صح ، ولو قبلت حصة البيع دون النكاح لم يصح ، وإذا ثبت أن الشراء تبع للنكاح فنقول : إذا لم تجب الشفعة باعتبار الأصل لا تجب باعتبار التبع كالعرصة الموقوفة إذا كان عليها بناء لم تجب الشفعة في ذلك البناء ; وهذا لأن المقصود بالأخذ بالشفعة دفع ضرر الجار الحادث ، ولا يحصل هذا المقصود إذا لم تجب الشفعة فيما هو الأصل بخلاف الرد بالعيب فإنه يثبت باعتبار البيع ; لأن العيب في الأصل فوات وصف هو تبع ، وكذلك حكم الصرف يثبت فيما هو تبع كالصفائح من الذهب في الدار المشتراة بالفضة يثبت فيها حكم الصرف .

التالي السابق


الخدمات العلمية