الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) وإذا اختلف الزوج والمرأة فقال الزوج أنا فقير وقالت المرأة هو غني فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى المرأة البينة ; لأن الفقر في الناس أصل وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { يولد كل مولود أحمر ليس عليه غبرة أي سترة ، ثم يرزقه الله تعالى من فضله } فالزوج يتمسك بما هو الأصل والمرأة تدعي غنى عارضا فعليها البينة وعليه اليمين لإنكاره ، وبه أجاب في كتاب العتاق إذا ادعى المعتق أنه معسر فالقول قوله فأما ما أشار في سائر الديون إن كان وجوب الدين عليه ببيع ، أو قرض لم يقبل قوله أنه معسر ; لأنه صار غنيا بما دخل في ملكه من المال فلا قول له في دعوى الفقر بعد تيقننا بزوال ذلك الأصل ، وكذلك قالوا في كل دين التزمه بالعقد اختيارا كالمهر ودين الكفالة فإقدامه على الالتزام بمنزلة إقرار منه أنه قادر على الأداء فإن العاقل لا يلتزم ما لا يقدر على أدائه اختيارا . فأما فيما سوى ذلك فالقول قوله في دعوى العسرة . وبعض المتأخرين من مشايخنا يقولون يحكم في ذلك زيه ، فإن كان عليه زي الأغنياء لم يقبل قوله أنه معسر ; لأن الزي دليل على غناه قال الله تعالى { تعرفهم بسيماهم } وقال الله تعالى { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة } وقال جل وعلا { إن كان قميصه قد من قبل } ففي هذا دليل على أن الظاهر من العلامة يجعل حكما إلا في الفقهاء والعلوية فإنهم يتكلفون الزي مع العسرة ليعظمهم الناس فلا يجعل الزي حكما في حقهم لظهور العادة بخلافه .

( قال : ) فإن لم يكن لها بينة على يساره وسألت القاضي أن يسأل عن يساره في السر فليس ذلك على القاضي ; لأنه وجد دليلا يعتمده لفصل الحكم وهو التمسك بالأصل ، فليس عليه أن يطلب دليلا آخر ، وإن فعله فأتاه من أخبر عنه أنه موسر لا يعتمد ذلك أيضا إلا أن يخبره بذلك رجلان عدلان [ ص: 194 ] ويكونا بمنزلة الشاهدين يخبران أنهما قد علما ذلك فحينئذ لو شهدا عنده في مجلس الحكم يثبت يساره بشهادتهما ، وكذلك إن أخبراه بذلك ; لأن المعتبر علم القاضي ويحصل له علم بخبرهما كما يحصل بشهادتهما ، وإن أخبرا أنهما علما ذلك من رواية راو لم يؤخذ بقولهما ; لأنهما ما أخبراه عن علم وإنما أخبراه عن ظن ، أو عن خبر من يعتمد خبره ، والخبر إذا تداولته الألسنة تتمكن فيه الزيادة والنقصان عادة فلهذا لا يعتمد مثل هذا الخبر .

( قال : ) وإن أقامت المرأة البينة أنه موسر وأقام الزوج البينة أنه محتاج أخذ ببينة المرأة ; لأنها قامت على الإثبات ولأن شهود الزوج اعتمدوا في شهادتهم ما هو الأصل وشهود المرأة عرفوا الغنى العارض فلهذا يفرض لها عليه نفقة الموسرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية