الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) والأثواب الهروية وغيرها من أجناس الثياب كذلك ، وهذه المسألة على ثلاثة أوجه : أحدها : أن يتزوجها على ثوب هروي بعينه فلها ذلك الثوب إن كان هرويا ، وإن لم يكن هرويا ، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى : لها قيمة ثوب هروي وسط ، وعلى قول زفر رحمه الله تعالى : لها الخيار إن شاءت أخذت الثوب بعينه ، وإن شاءت طالبت الزوج بقيمة ثوب هروي وسط ; لأن العقد أضيف إلى عين ذلك الثوب ، ولكنها وجدته على خلاف شرطها فلها الخيار كما لو وجدته معيبا ، ولكنا نقول : المشار إليه ليس من جنس المسمى فيتعلق العقد بالمسمى دون المشار إليه ، وهو أصل معروف نقرره في موضعه إن شاء الله [ ص: 80 ] تعالى ، ولو تزوجها على ثوب هروي بغير عينه ، ولم يبين الصفة فإن أتاها بالثوب أجبرت على القبول ، وإن أتاها بالقيمة أجبرت أيضا بمنزلة العبد المطلق ; لأن الثوب الذي هو غير موصوف لا تثبت عينه في الذمة ثبوتا صحيحا وزفر يقول : الثوب يثبت في الذمة موصوفا ثبوتا صحيحا ، وإنما صحت هذه التسمية باعتبار المالية ، والثوب في ذلك وقيمته سواء ، وإن بين صفة هذا الثوب فعلى قول زفر رحمه الله تعالى : تجبر على قبول القيمة إذا أتاها بها ، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى : إن ذكر الأجل مع ذلك لم تجبر على قبول القيمة ، وإن لم يذكر الأجل أجبرت عليه ; لأن الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا إلا مؤجلا ، ألا ترى أنه لا يجوز استقراضها ، ويجوز السلم فيها ; لأن القرض لا يكون إلا حالا ، والسلم لا يكون إلا مؤجلا فعند ذكر الأجل يثبت الثوب دينا ثبوتا صحيحا ، فلا تجبر على قبول القيمة ، وعند عدم ذكر الأجل لا يثبت ثبوتا صحيحا ; لأن بالمبالغة في ذكر وصفه يلتحق بذوات الأمثال ، ولهذا يجوز السلم فيه .

واشتراط الأجل هناك من حكم السلم لا من حكم ثبوت الثياب دينا في الذمة فيستوي في هذا إن ذكر الأجل ، أو لم يذكر ، ولكنا نقول : لو باع عبدا بثياب موصوفة في الذمة لا يجوز إلا مؤجلا ، وإن لم يكن العقد سلما فعرفنا أن الثياب لا تثبت دينا ثبوتا صحيحا إلا مؤجلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية