( فمن نفى الصانع ) أخذوه من الإجماع النطقي به إن سلم وإلا فمن قوله تعالى { صنع الله } لكن على مذهب من يرى أن ورود الفعل كاف أو على مذهب الباقلاني أو الغزالي كما أشرت إليهما أول الكتاب واستدل بعضهم بالخبر الصحيح { إن الله صانع كل صانع وصنعته } ولا دليل فيه لما قدمته ثم أن الشرط أن لا يكون الوارد على جهة المقابلة نحو { أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } وما في الحديث [ ص: 86 ] من هذا القبيل وأيضا فالكلام في الصانع بأل من غير إضافة والذي في الخبر بالإضافة وهو لا يدل على غيره ألا ترى أن قوله صلى الله عليه وسلم { يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر } لم يأخذوا منه أن الصاحب من غير قيد من أسمائه تعالى فكذا هو لا يؤخذ منه أن الصانع من غير قيد من أسمائه تعالى فتأمله
وفي خبر مسلم { ليعزم في الدعاء فإن الله صانع ما شاء لا مكره له } وهذا أيضا من قبيل المضاف أو المقيد نعم صح في حديث الطبراني والحاكم { اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع } ، وهو دليل واضح للفقهاء هنا إذ لا فرق بين المنكر والمعرف ويأتي آخر العقيقة أن الواهب توفيقي بما فيه فراجعه أو اعتقد حدوثه أو قدم العالم أو نفى ما هو ثابت للقديم إجماعا كأصل العلم مطلقا أو بالجزيئات أو أثبت له ما هو منفي عنه إجماعا كاللون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فمدعي الجسمية أو الجهة إن زعم واحدا من هذه كفر وإلا فلا ؛ لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بمذهب ونوزع فيه بما لا يجدي وظاهر كلامهم هنا الاكتفاء بالإجماع وإن لم يعلم من الدين بالضرورة ويمكن توجيهه بأن المجمع عليه هنا لا يكون إلا ضروريا وفيه نظر والوجه أنه لا بد من التقييد به هنا أيضا ومن ثم قيل أخذا من حديث الجارية يغتفر نحو التجسيم والجهة في حق العوام ؛ لأنهم مع ذلك على غاية من اعتقاد التنزيه والكمال المطلق أو اعتقد أن الكوكب فاعل واستشكل بقول المعتزلة إن العبد يخلق فعل نفسه ويجاب [ ص: 87 ] بأن ذا الكوكب يعتقد فيه نوعا من التأثير الذي يعتقده للإله ولا كذلك المعتزلي غايته أنه يجعل فعل العبد واسطة ينسب إليها المفعول تنزيها له تعالى عن نسبة القبح إليه


